بحمد الله وتوفيقه عدت من قضاء عطلة العيد مع الأهل والأسرة بكردفان وخلال الرحلة التى إمتدت من أمدرمان وحتى مدينة غبيش التى تقع على الحدود مع إقليم دارفور رصدت جملـة ملاحظات ومواقف وحكايات مبكية وأشد ما يبعث القلق هو ما يعانيه الناس من فجوة غذائية ( ملامح مجاعة ) وثمة قضايا كثيرة علينا إدراكها قبل فوات الاوان .. وبكل أسف الفجوة الغذائيـة حادة جداً وقد فعلت الأوضاع فعلتها بتطبيع جرائم السرقات والنهب والإعتداءات مع مجتمعات كانت مسالمة ولكن صاحب الحاجة أرعن دون أن تفتح الأجهزة الرسمية المركزية والولائية وبالذات المحليات فوهاتها والحديث عن هذا الواقع الذى لا يسر وكأن خطاً ممنهجاً لتدمير تلك المنطقة وإلحاقها بما تبقي من السودان الذى تدمر وأهلك متى تتحركون أيها النائمون قديماً صاح عمنا ( أبوكلابيش) فى وجه البشير وعوض الجاز وأسامة عبدالله فتفجرت صيحاته مشروع حصاد المياه والسدود وحفر الآبار والمدارس ومشروع القرن الحالى الذي ينفذه بنك التنمية الإفريقى بواسطة شركة ويلز للإستثمار أما اليوم لمن تصيحون إذا قدر لكم الصياح ورضيت نفوسكم بذلك ـ هل ستصيحون لـ جبريل إبراهيم أم لـ مبارك أردول ـ وهل يستعطون فعل شئ وهم الذين يحاصرون أنفسهم بسياج مجتمعى محدد ويشغلون انفسهم به دون الآخرين ?!! ، ومن الملاحظات الحزينـــة رضوخ أبنـاء كردفان ونُخبـها للواقع المرير وتجاهلها لمصالح مناطقهم وحقوق أهلهم التي تضيع أمام بصـرهم وهم يشاهدون إنعدام العيـش فى الأسواق ومن يأتى بـه من التـجار لم يتجاوز نصف الساعـة حتى ويتم مجازفـة كل المفروش من العيـش وبلغ سعر جوال الدُخُـنْ وهو يمثل غالب قوت أهل المنطقـــة (50) ألف جنيـه بينما بلغ سعر جوال الفترتيتـة ( 30 ) ألف جنيه وبهذه الأسعار تكون كيلـة عيش الدخن بـ ( 4) ألف .. ومن المفارقات فى دارحمر كان فى الماضى القريب لا يأكلون الفيتريتة وحتى الدواب كانت تعف ولا تألكها أما اليوم فشاهدتُ بأم عينى تاجراً كبيراً بالنهود هو وعمالـه وهم منهمكون ومنكبـون على صحن عصيدة فيتريتة دون أن يرفع أحدهم بصره لينظر من حولـه .. هذا الواقع المؤلم تعيشـه مناطق الإنتاج الحقيقية فى السودان والحكومة المركزيــة والولائيـة مشغولـة بتخريج الدفع العسكريـــة ومشغولة بمراضات وتطييب خاطر فئة سياسيـة صغيرة ومنظمات مجتمع مدنى محدودة درجت على إزعاج وإبتزاز الحكومات بالخرطوم بالهياج والضغط على المركز وبمطالب وقضايا ليست أولويـة لغالبيـة أهل السودان ولا تشكل ضرورات فى حياتهم اليوميــــة .. وإذا أخذنا مثالاً مدينة النهود وهى كبـرى مدن كردفان عموماً وغرب كردفان تحديداً نجد هذه المدينة العريقة بتشرب المياه بواسطة التنـاكر والمشكلـة ادارية من الدرجة الاولى وإن فترة الثلاثـة سنوات الماضيـة أنتجت مدراء تنفيذيين ضعفاء ووطنت لهم بينما أصحاب القدرات العاليـة تم تحويلهم وإبعادهم الى محليات طرفية صغيرة وتُركت محليـة مثل النهود تعيش معانـاة مع المياه وفى فصل الخريـف ولا أحد يلتفت اليها لا يعقل ( 14) بئـر عاملـة بمنطقـة جبل حيدوب وما يعرف بـ ( أم جكو ) وهى منطقة تجميع المياه ومن ثم تنقل منـها الى المدينـة بواسطة ( 3 ) خطوط ماء رئيسيـة ـ المحزن أن السلطات الادارية بهيئـة توفيـر المياه متمسكيـن بقرارهم والقاضى بان تتم تعبئـة التناكر من المحطة الرئيسية داخل المدينـة بدلاً من تعبـأتها من مناطق إنتـاج المياه خارج المدينـــة وهذا الاسلوب يسمى عرفيـاً بالغـراب وهو بيع المياه للتناكر بصورة مباشرة ومن داخل محطـة التوزيع الرئيسية بالمدينـة وبالاضافـة لكميـات المياه التى تنقل بواسطـة الكوارو التى يجرها الحصين والحمير ومعلوم هذه الطريقة تضعف حصة المدينـة ويصعب معها ضبط تدفـق المياه مما يجعل المياه لا تاتى الي المنازل عبر الخط الرئيسى الا بعد كل اسبوعيـن أما حركة الايـرادات بهذا الاسلوب حدث ولا حرج إذ يتم الحساب بنظام العدادات أو المتر المكعب وهو منهج غير دقيـق فى الحساب وضبط المال ونظام المراجعـة الماليـة لأن القيمة تاخذ مباشرة ( كاش ) من المتحصل وبلا إيصال مالى حيث تجد المتحصل لديه شنطة كبيييييرة أمام البوابـة خاصة بتحصيل النقود وهذا الاسلوب اعادنا لمنهج قديــم تجاوزه الواقـع وهو نظـــام ( كاتب الدونكى ) كما كان فى قديم الزمان قبل اكثــر من 40 عامـاً من الآن .. وهو واقع فوضَّـوى يسهل معه عملية التجاوزات المالية وضعف الرقابـة على الأداء وضبـط كميـات المياه المنتجة والمسربـة وربما تظهر معه عمليات الثـراء الفاحش والمفاجئ لبعضهم وفى وقت وجيز بسبب هذا الإهمال الإدارى ومن المعلومات المؤكـدة ان عمليــة بيع المياه المباشر للتناكر ( الغُـراب) عندما بدأت ولمدة شهر لم يكن لديهم عدادات مياه عاملـة حتى يتم حساب المتر وهى عملية حسابيـة معقـدة يتم خلالها التوزيع ( سمبلة) وهى مدخل رئيسى من مداخل الفساد .. ولا يعقل كل امتدادات مدينـــة النهود الجديـــدة وهي ما يقارب العشـــرة أحياء سكنيـة كبيـرة ويقطنها سكان بنسبة عاليـة ويضاف اليها احياء سكنيـة قديمة كلها ليست بها شبكة مياه ولا خطوط كهربـــاء .. أما تنظيم سوق المدينـة فهذا وضع مقزز جداً وهو مسئووليـــة البلديــة التى تركت الحابـل بالنابـل وكل المساحات والبرنـدات التى في قانون التخطيط العمراني تعتبر مخصصة للمشاه تحولت الآن إلى محلات تجارية واغلقت لصالح الدكاكيــن أم الدكاكين والمتاجر التي تمت ازالتها فى السابق لظروف الخريـف والبيئية المختلفة وبقرارات رسمية من والي الولاية وتمت إزالتها وقتها بآليات ضخمة فتـرة الولاة ( أحمد هارون وعجب الفيا ) الان أعُيــِـدت هذه المحلات وتم تشييدها وزاد عددها وتحت حمايــة مجتمعيــة دون مراعاة حتى لضرورات الاستثمار .. هذا الإغفال للميـزة النسبيـة والإستغفال والتغافل لمناطق يعول على إنتاجها فى رفع مستوى الدخل القومى وتحسين الإقتصاد الوطنى هذا الإهمال الإدارى لاوضاع الصحية والمعيشية والتنموية يضعف إنحياز هؤلاء الغلابـة للدولـة القوميـــة ويجعلهم يعقدون المقارنـــات ما بين القادة والمسؤولين ومناطقهم وغيرها وتبدأ رحلة تفكير أخرى بلادنا ليست بحاجة إليه البتـــة .. ونواصل إنشاء الله فى الحلقات المقبلـــة عرض رحلـتي فى بلد الغربـة والضيـاع ـ الخوي التى يحلـو لأهلـها وأبناءها تسميتها بـ ( الكويت) و ودبندا وغبيـش الغنيتان بالموارد وكيف أن المركز والولاية تتقاسمان موارد هذه المناطق لتـذهب إلى جيوب حفنـة من الناس ويترك إنسانها يتوجع ..