الطاهر ساتي يكتب.. ابو الهول!!
:: ( لا جديد)، فالغبائن نائمة بكل أرجاء السودان، و ما أيقظتها بالنيل الأزرق إلا أجندة مالك عقار و آخرين يُمكن وصفهم بالمستثمرين، ليس في الزرع و الضرع، ولكن في الموت والجرح و الحريق .. و ليسوا
الوحيدين، فمنذ الاستقلال لكل زمان في بلادنا نُخب فاشلة – مسماة بالسياسية – تستثمر في جهل المجتمعات و فقرهم، لتكسب بعض السلطة و الثروة مقابل الموتى والجرحى و الحرائق .. !!
:: وما حدث بالنيل الأزرق، حدث في كسلا أيضا بين البني عامر والنوبة.. و بين المعاليا والرزيقات بدارفور.. وبين الجموعية والهواوير بالخرطوم.. و.. و.. لا جديد حتى في الدوافع.. هي ذات الدوافع الراسخة في جماجم الجهلاء، و أُم الدوافع هي الأرض .. فالأرض في بلادنا ليست ملك الدولة، بل القبيلة، وهذا أصل الداء و أُس البلاء.. ومنعاً للصراع حول الأرض، طورت الدول الراشدة علاقة الإنسان بالأرض ثم نظمتها بالقوانين التي لاتظلم الشعب..!!
:: ولكن في السودان، لم يهنأ الشعب بنعمة تطوير علاقة الإنسان بالأرض بحيث تكون الأرض للدولة ومصالح الناس، و ليست للقبائل و أجندة نظارها و عمدها و مكوكها، ومن قبلهم نخبها المسماة بالسياسية.. وما لم تتجاوز علاقة المواطن بالأرض هذه العلاقة التقليدية (المتخلفة)، فلن تهنأ مجتمعات السودان بالسلام .. ترقبوا المزيد من الموت و الجرح والحريق ..!!
:: وكالعهد بهم عقب كل مأساة، يخرج من نلقبهم بالمسؤولين ليكذبوا : ( الوضع تحت السيطرة) .. فالدول الراشدة تحتكر العنف بواسطة مؤسساتها العسكرية، وتستخدمه ضد العدو، لينعم الشعب بالسلام.. ولكن في بلادنا تتنافس الأنظمة على توزيع العنف، وما التطاحن القبلي إلا بعض التوزيع.. والمناخ العام حالياً يُغري من يشاء ليفعل – في الآخر – ما يشاء.. وفي ذات داحس و غبراء، حدثتكم عن تجربة مارينا..!!
:: مارينا فنانة صربية ذات تجارب الإنسانية.. وغامرت ذات عام لاختبار سلوك البشر في حال منحهم الحرية المطلقة لاتخاذ القرار.. قررت مارينا الوقوف على طاولة في مكان عام بلا حراك، كالتماثيل، أبو الهول نموذجاً..ووضعت على الطاولة سكاكين و أزاهير و حلوى وأشياء أخرى.. في ساعة الوقوف الأولى، لم تثر وقفتها انتباهة المارة، ولم يسألها أحد عما تفعل ..!!
:: ولكن في الساعة الثانية، أثارت وفقة مارينا إنتباهة المارة.. ثم توالت ردود الأفعال، بحيث وضع أحدهم زهرة بين أصابعها.. و وضع آخر قطعة حلوى بين شفتيها.. هكذا كانت ردود أفعال الناس .. وكانت إيجابية و إنسانية راغبة في مساعدتها.. ولكن، لم يستمر هذا الوضع طويلاً.. إذ شرعت الجماهير في إظهار ردود أفعال أخرى..!!
:: مزقوا ملابس مارينا حتى تعرت.. وتحرشوا بها، فأدمعت.. ولم تمنعهم دموعها عن التمادي في إظهار السلوك العدواني..وبعد ست ساعات، تحركت مارينا، فهرب الجميع، فلخصت التجربة بالنص : ( البشر الذين نلتقيهم يومياً، ونتعامل معهم في حياتنا، مهما اختلفت أعراقهم وثقافاتهم وأعمارهم، فلهم القدرة والرغبة في ارتكاب الأخطاء و الجرائم و إظهار السلوك العدواني، في حال أن يجدوا من يتيح لهم الفرصة).. !!
:: و اليوم، من يشعلون حرب القبائل على الأرض و في وسائل الاعلام، لا يفعلون ذلك ما لم يجدوا ( من يتيح لهم الفرصة)، و هو أبو الهول المسمى مجازاً بالنظام الحاكم..!!