أسامه عبدالماجد يكتب.. حول نادي النيل

إذا عرف السبب

0

¤ قبل سنوات شيدت الحكومة صرحاً عملاقاً بحي المقرن بالخرطوم ليكون مقراً للبنك المركزي   .. تجاوزت التكلفة (30) مليون دولار – على ما اعتقد.. كان حدثاً لافتاً شغل الراي العام.. خاصة وان كاتبًا مشهورًا انتقد الخطوة.. لا أذكر بالضبط ماذا كتب.. ارجح ان يكون اقترح تحويله لمستشفى.. او تخصيص المبلغ للغرض الاخير.. فليس أي مبني ضخم يصلح مشفى.. وهذا ما لا يعلمه كثير من الناس.

¤ السودانيون لايتحمسون للجديد، وغالباً ما يتحفظون عليه ان لم يشكلوا رأياً سالباً حوله.. دونكم نادي النيل العالمي التابع لجهاز المخابرات والمشيد بمواصفات عالمية على ضفة النيل الازرق.. وقد سارع البعض لانتقاده قبل افتتاحه.. رغم ان قيامه اضفى لوحة جمالية وسياحية على الخرطوم كئيبة المباني ورديئة الطرق.. واصبح درة تضئ عتمة شارع النيل.

¤ السهام التي صوبت للنادي قد تكون هي ذاتها التي رمى بها البنك المركزي.. مع العلم ان تشييد المباني ، مسؤولية المؤسسات ذات الصلة.. ذلك ان لكل هيئة ميزانيتها.. ونعلم التحفظات ميزانية القوات النظامية.. وهذا امر فرضته ظروف معينه .. مثل اضطرار دول اوربا،  رفع ميزانية قواتها المسلحة.. بعد الهجوم الروسي على اوكرانيا.

¤ في مقدمتها المانيا التي اعلن زعيمها اولاف شولتز دعم قوات بلاده بـ (100) مليار يورو.. (قد تعادل ميزانية السودان لنحو (10) سنوات).. بل شرعت برلين في إعادة هيكلة السياسة الامنية.

¤ جيد ان تُرى اموال القوات النظامية، بالعين مثل نادي النيل.. بدلاً من البحث عن اجابات لأين وكيف وظفت تلك الاموال؟ وقد لا نجد لها اجابة.. وهنا يستحق وزير الدفاع الاسبق المهندس عبد الرحيم محمد حسين – فك الله اسره – الشكر والثناء.. على الثورة العمرانية الهائلة وغير المسبوقة التي احدثها في الجيش.

¤ والتي كانت متوازية مع تاهيل وتدريب الكادر.. بدليل ان الحركات المتمردة بدء من الشعبية الجنوبية بقيادة جون قرنق وحتى اصغر حركة من (خشم) بيت واحد بدارفور .. فشلوا في كسر شوكة الجيش.. رغم الدعم الغربي والليبي الكبير الذي نالته.. ويستحق كذلك أميز مدراء الشرطة الفريق اول د. هاشم عثمان الحسين ان ترفع له القبعات.. على الطفرة العمرانية الضخمة التي احدثها بالمؤسسات الشرطية.

¤ بدءاً من مجمع خدمات الجمهور.. مرورا بمراكز التدريب ،نادي الشرطة الفخم.. وحتى الاسكان الذي شمل صغار الضباط.. وكان مخططا ان يشمل بقية منسوبي الشرطة.. بجانب اليقظة العالية والعين الساهرة التي تميز بها البوليس في حقبة هاشم.

¤ إن واحدة من مؤشرات هيبة الدولة امتلاكها مقار محترمة سواء كانت مخصصة للعمل او للترفيه عن منسوبيها.. والمقار الاخيرة لا تقل اهمية لأنها تدخل في اطار الرضا الوظيفي.. والاهتمام باسرة وعائلة منسوب المؤسسة المعنية.. ومثال لذلك نادي القضاة الذي يضم افضل صالات المناسبات بالخرطوم.

¤ في مصر تملك وحدات عسكرية – دعكم من قيادة الجيش – اندية تضاهي نادي النيل .. وفي امريكا يعد (البنتاغون)، مقر وزارة الدفاع، واحدًا من أضخم المباني المكتبية في العالم.. تم بناؤه مطلع الاربعينيات من القرن الماضي بتكلفة 83 مليون دولار.. ولا يقتصر على المهام العسكرية فحسب، حيث يوجد فيه مركز للتسوق ومطعم كبير ومواقف لسيارات الأجرة.

¤ بالتالي هو ذو صبغة استثمارية كما هو الحال في نادي النيل .. وحسناً فعل جهاز المخابرات بان فتح ابواب ناديه للعامة.. صحيح قيمة الاشتراك عالية لكن تكلفة الكهرباء والخدمة المقدمة فيه كفيلتان برفع قيمة الاشتراك او الدخول.. فضلاً  عن كونه ليس مثل اندية الاحياء التي تشيدها وزارات الشباب والبلديات في الدول العربية.

¤ واعيب على جهاز المخابرات تشييد النادي محدود الطوابق.. ربما التزاما بالمخطط الهيكلي لحكومة الخرطوم الذي سمح بانشاء الاندية والمنتجعات السياحية على النيل.. ولذلك تجدوا منتجع دوسه – وياله من منتجع – ومنع (المخطط) تشييد مؤسسات خلاف ذلك .. واستثنى فقط القصر الجمهوري ووزارة الداخلية باعتبارهما مؤسستين سياديتين.. الى جانب المالية (مبنى اثري).

¤ لذلك دخلت وزارة العدل في صفقة (مقايضة) مع الجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي.. تم بموجبها هدم مبناها بشارع النيل وحل محله فندق ايواء الانيق .. وانتقلت الوزارة الى مباني الجهاز الاستثماري بشارع الجامعة.. ولذلك ان انشاء نادي المخابرات يجب ان يكون بداية لنقلة سياحية وحضرية على شواطئ النيل البائسة.

¤ تجئ سيرة النادي الذي يعج بالمناشط الرياضية والترفيهية والصالات الراقية والمطاعم بعد الحادث المؤسف الذي وقع قريبا من اسواره بمقتل شاب في حادث فردي ومعزول، على يد نظامي.. ندين بشدة ماحدث.. ونعزي والديه المكلومين، ولا شيء أصعب من فقدان عزيز علينا.

¤ ومهما يكن من امر فان الموت علينا حتماً محتوماً، يأخذ منا أهلنا وأحباءنا.. وكلنا أمانة مستودعة حتى يأتي أمر الله فيأخذ وديعته.

اترك رد