🎯 *استراتيجيات*
– .. واعود لمقالات سابقة اوردت خلالها ان حرب القبائل على وشك الاندلاع واسباب ذلك تعود الى مقولة بن خلدون الشهيرة: (اذا ضعفت الدولة لجأ الناس للاحتماء بقبائلهم) .. ليس بن خلدون (الفيلسوف) وحده من اثبت ذلك بينما اكدته الوقائع في سالف العصر والتاريخ الحديث .. تنامي العصبية القبائلية ليس وليد الصدفة وتعلب في تأجيجه عدد من العوامل والعناصر التي تغذي الصراع في رحلة البحث عن مغانم الموارد والمكاسب والمصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مجتمعات تعاني من الفقر وضعف الاستقرار وتهالك اركان الدولة وعدم الاستقرار وضياع هيبة وحاكمية القانون ..
– الادارة الاهلية موروث شعبي وتاريخي قامت على بناءه الدولة السودانية الحديثة قبل وبعد الاستقلال وهو نظام راسخ له من القوانين والاعراف والتقاليد ما يحفظ التراتيبية التاريخية للنظارات والعموديات والمشايخ والشراتي والدمنقاويات والملوك والمكوك والسلاطين والفرش وذلك النظام قام على ارث (الحواكير) وملكية الاراضي الزراعية والمراعي والقرى والفرقان والمدن ذات التطور الحضري .. اذ لكل نظارة حدود جغرافية وامتداد وتداخل مع القبائل الاخرى ولكن يظل القانون والعرف هو الحاكم والذي ينظم امتداد النظارات وحدود سلطاتها داخل (حواكير) النظارات الاخرى والمجاورة حتى ولو كان حق المواطنة والسكن والاقامة مكفول للجميع فتظل (الحيكورة) هي المرجعية الحد الفاصل في حال التداخل السكاني ..
– امران في غاية الخطورة تنبعث من تحتهما وميض نيران الفتنة .. اولهما : الحراك القبلي السالب الذي تقوم به بعض القبائل المنتسبة الى ولايات اخرى لادارة انشطتها من داخل العاصمة الخرطوم وعواصم ومدن الولايات الاخرى وقد رصدت بعض الاعين خلال الفترات الماضية انعقاد مؤتمرات لشورى بعض القبائل بقاعة الصداقة لاقالة او تعين او عزل نظاراتهم من داخل الخرطوم او عواصم ومدن الولايات الاخرى مما يعني نقل الصراع القبلي من مناطق متفرقة وتجميعها داخل العاصمة والمدن والحواضر مقر النظارات التاريخية وانطلاق تلك الصراعات والمواجهة داخل الولاية ومدنها وقراها .. بل وذهبت مطالبهم بتعيين نظارات وعموديات لهم داخل النطاق الجغرافي لنظارات ظلت اصلا موجودة منذ مئات السنين .. اما ثاني الامرين: البيئة المحلية داخل مكونات النظارات التاريخية التاريخية المعرفة عرفا وقانونا وتنامي صراعات “مكتومة” نتجت عن رغبة مجموعات سكانية موجودة داخل تلك النظارات جدا عن جد ب”فرز عيشتها” من تلك النظارات بل تفيد المصادر المتتبعة للاحداث القبلية بالخرطوم والولايات عن مطالبة مكونات سكانية استقلالها بنظارة منفصلة عن النظارة التاريخية المعروفة بالمنطقة ..
– للاسف تنامت وتيرة ممارسة العمل الجهوي والمناطقي بالسودان وكثير من الناس بل وحتى المستنيرين منهم لا يفرقون بين الجهوية والمناطقية ونظام الادارة الاهلية .. فنظام الادارة الاهلية نظام قبلي قضائي اداري مالي يعمل وفق تركيبة السودان الانثروبولوجية وقد ساعد نظام الادارة الاهلية في كثير من الحلول الاجتماعية المتكاملة وله عرف وقوانين ساعدت في تنظيم الحياة العامة للمجتمعات القبلية .. اما “الجهوية المناطقية” هي انتساب عدد من المجموعات السكانية انتساباً جغرافياً اكثر منه قومياً أو حتى قبلياً .. والجهوية والمناطقية هي الكارثة التي يجب ان تمنع في اطارها وايقاف مكوناتها وليس الادارة الاهلية ..
– ما استشرفته انذاك حول تجدد النزاع المكتوم بين البطاحين والكواهلة الدليقاب والان مابين البطاحين والمغاربة وبالامس مابين الهمج والغازوغلي والزرقاويين باقليم النيل الازرق وقبائل الهوسا بدا واضح المعالم ان هناك اطراف سياسية تغذي تلك الصراعات وتدفع بعض المكونات داخل حدود النظارات التاريخية لاعلان تدشين نظارة جديدة مخالفة لما صدر من قرارات سابقة بمنع قيام اي نظارات داخل مكونات النظارات القديمة التي اقرها القانون والاعراف والتقاليد المجتمعية مما جعل تلك المناطق وغيرها من ولايات البلاد المختلفة في فوهة بركان ملتهب قابل للانفجار في اي لحظة ..
– هنا من باب الترقب الحذر وقراءة المشهد ومألات الفتنة القبلية بالنيل الازرق اشيد بقرار لجنة امن ولاية الخرطوم برئاسة الوالي الاستاذ احمد عثمان حمزة بفرض هيبة القانون القرار الاستباقي الذي اتخذه بعدم السماح بانشاء نظارات جديدة ودفعه بقوات مشتركة لمناطق شرق النيل للفصل المبكر بين المكونات القبلية ودعوة العقلاء لنزع فتيل الفتنة للحيلولة دون وقوع مواجهات قبلية لايحمد عقباها خاصة في ظل الوضع الامني الهش الذي تعلوه نعرات القبلية والجهوية والمناطقية كذلك اصدرت المنطقة من باب التحوطات الامنية الوقائية ولكن ليس ذلك السبيل الوحيد لوقف الصراعات القبلية بالمنطقة دون تدخل اهل العقد والحل والعزم من رموز الادارة الاهلية للجلوس مع المكونات القبلية واطفاء نار الفتنة فيما بينهم وتجاوز حرب النظارات التي اذا اندلعت ستحرق نارها الجميع ولا تبقي ولا تذر اخضرا ولا يابس ..
– المتتبع للحراك القبلي في ولاية الخرطوم يلحظ بوضوح تنامي صراعات الفصل بين النظارات وانشاء نظارات جديدة .. وفي هذا الصدد الفت نظر والي الخرطوم واعضاء حكومته ولجنته الامنية الى اهمية القضاء المبكر على زحف الجهوية المناطقية داخل ولاية الخرطوم التي أقيمت لها منظمات وروابط تهتم ب “الجهوية المناطقية” .. روابط وجمعيات واندية ودور ومنظمات ومنابر كمنبر أبناء الشرق ومنبر أبناء الجزيرة .. بل تعدى الامر الى تكوين حركات مسلحة واحزاب وغيرها من التشكيلات “الجهوية المناطقية” وقد قدرت اخر احصائية رسمية لعدد الروابط والجمعيات الخاصة بابناء الجهات والمناطق بولاية الخرطوم حوالي ٨٩٠ رابطة وجمعية منذ العام ٢٠٠٠م حتى ٢٠٢٢م .. ويتم تسجيلها وفق قانون العمل الطوعي لعام ٢٠٠٠م بولاية الخرطوم تحت مسمى روابط “ابناء المناطق” وتحمل تلك الروابط في ظاهرها واجهة العمل الطوعي والخيري والتكافل الاجتماعي الا ان في باطنها تمارس فى الواقع العمل الجهوي والقبلي تؤجج صراع النظارات الذي يمثل بكل جوانبه الحرب القادمة ..