الخرطوم بين أهوال الانتشار الأمني وأحوال المشهد السياسي
محمد جمال قندول
شهد خواتيم الاسبوع وتحديداً يومي الاربعاء والخميس أحداثاً عديدة منها اجتماع المكون العسكري والمدني بحضور الرباعية وكذلك المؤتمر العام لحركة المستقبل بجانب الانتشار الأمني أمس الاول الخميس الذي ادى الى تعطل حركة السير بالعاصمة واحداث اخرى في محاولة للتطواف عليها وتقديم اجابات لها.
وانعقد اجتماع ليل الاربعاء جمع رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق اول محمد حمدان دقلو مع اطراف العملية السياسية وبحضور الرباعية والثلاثية في محاولة لاحياء الاتفاق الإطاري الذي شهد حالة من الجمود خلال الاسابيع الاخيرة وينظر الكثيرون بعين الاشفاق على مصير الحل السياسي الجاري والمجابه بتعقيدات عديدة منها اتساع رقعة الرافضين له وامكانية توصل الاطراف لتوافق بورشتي العدالة الانتقالية والترتيبات الامنية والاخيرة بحسب مراقبين ستكون الفيصل لقياس مدى نجاح الاطاري من عدمه .
العاصمة تنام على صفيح ساخن
نامت العاصمة مساء الخميس على وقع تساؤلات لم تجد لها اجابات من الجهات الرسمية حيث شهدت الخرطوم ظهر ذات اليوم انتشاراً امنياً لقطع حربية وآليات ثقيلة وخفيفة، الامر الذي تسبب في شل الحركة تماماً وزحام استمر الى ما بعد الثامنة مساءً.
ولم تبرز الجهات الامنية اي توضيحات اضافية الامر الذي فاقم من حيرة المواطنين حتى ظنوا بانها ليلة السكاكين الطويلة خاصة مع تواتر الانباء طيلة الاسبوعين الماضيين عن علاقات غير جيدة بين رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو.
مدير الاعلام العسكري الاسبق اللواء محمد عجيب محمد افادنا وقال لـ”الانتباهة” بان المظاهر العسكرية التي ظهرت بالخرطوم يوم الخميس بعدد من الشوارع الرئيسية بالخرطوم وحول محيط القصر الجمهوري بحسب افادات من بعض المصادر العسكرية انها اعادة تموضع لبعض الوحدات العسكرية والدروع حول تلك المناطق بقلب العاصمة غير ان محدثي اعتبر بان توقيتها لم يكن مناسباً مما احدث ارتباكاً بحركة المرور بقلب الخرطوم كما اثار الكثير من الهواجس والظنون حول طبيعة الانتشار الامني سيما وان كثيراً من اللغط يدور حول طبيعة العلاقة بين الجيش والدعم السريع وما شهدته من توترات خلال الاسابيع الاخيرة.
ويواصل عجيب ويقول ان الامر في حقيقته قد لا يخلو من احترازات امنية تقوم بها القوات المسلحة على الاقل من باب الاحتياط لما هو متوقع من احداث قد تخل بالامن في العاصمة ويستدل الخبير الامني والعسكري اللواء عجيب بعدد من الشواهد الموضوعية منها توتر العلاقة بين رئيس مجلس السيادة ونائبه ومن جانب اخر ما يرشح أن الراي العام العسكري غير راض عن طبيعة العلاقات بين القوات المسلحة والدعم السريع بشكلها الحالي وما تبع ذلك من تأخير عملية دمج قوات حميدتي بالجيش فضلاً عن الاستياء العام من تطاول أمد الازمة السياسية وتفاقم الاوضاع المعيشية بوتيرة سريعة.
اجتماع الأربعاء بين الفرقاء.. هل من ثمار..؟
بشكل مفاجئ انعقد اجتماع ليل الاربعاء الماضي بين رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق اول محمد حمدان دقلو مع الاطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري بحضور الالية الثلاثية افضى الى الاسراع بتنفيذ ما تبقى من التزامات للوصول لاتفاق نهائي لوضع حد للازمة.
قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي كشفت على لسان عدد من المتحدثين عن تشكيل الحكومة المدنية قبيل رمضان غير انها وبعد 24 ساعة فقط عادت وارسلت اشارات الى تكوين الجهاز التتفيذي خلال الشهر الكريم.
اللافت كان غياب الكتلة الديمقراطية عن اللقاء بعد ان كانت هنالك تسريبات سبقت اجتماع الليل عن لم شمل كتلتي الحرية والتغيير في لقاء حاسم لتحديد الاطراف التي ستوقع على الاعلان السياسي الذي أعلنه مجلس السيادة قبل شهر في بيان رسمي ثم قبر الحديث عن ذلك الاتجاه.
وعقب الاجتماع الذي انتهى في وقت متأخر من ليل الاربعاء عاد الحديث مجدداً عن مصير العملية السياسية بشكلها الحالي وهل ستستوعب رفقاء جبريل ومناوي وجعفر ام سيمضي الاطاري لغاياته دون الكتلة الديمقراطية.
الخبير والمحلل السياسي ابراهيم شقلاوي اوجز محورين استند عليهما في تلخيصه الذي افاد به “الانتباهة” بعدم وصول الإطاري للنهايات السعيدة وقال بان المشكلة السياسية التي تحيط بالبلاد بالغة التعقيد لجملة من الاسباب وابرزها انعدام روح التوافق الوطني والحرص على الوجود في السلطة من جميع الفرقاء وذلك على الرغم من ان مساحات الحكم غير كافية لا تقسم كـ(كيكة) ترضي الطامعين -على حد تعبيره- الامر الذي جعل مجموعة الإطاري تمضي في اتجاه التمترس خلف مواقفها مخافة دخول شركاء آخرين يقاسموها المناصب السياسية..
ويواصل شقلاوي ويشير الى ان المحور الثاني مهم وهو عدم امتلاك المفاوضين جميع أوراق الحل وهو ما رسم واقعاً معقداً لن يفضي لحلول مرضية للجميع اضف اليها التدخلات الخارجية الواضحة إذ ان كل حزب يعبر عن مصالح داعميه الخارجيين .
واختتم شقلاوي افادته بان الحل يكمن بالداخل والحوار الشامل وانه حال عدم التوصل لصيغة توافقية فان المكون العسكري قد يلجأ لاتخاذ قرار منفرد بتشكيل حكومة مدنية نظراً لتفاقم الاوضاع المعيشية الصعبة.
الرباعية ابدت ترحيبها بما افضى اليه تجمع الاربعاء بين الاطراف والتقدم نحو التوصل إلى اتفاق سياسي نهائي واستعادة حكومة انتقالية بقيادة مدنية واضافت في بيان ان اتفاق الموقعين على استكمال جميع حوارات المرحلة الثانية قبل بداية شهر رمضان يشير إلى التزامهم بضمان مستقبل أفضل لشعب السودان.
مؤتمر حركة المستقبل.. أين بقية الأحزاب..؟
عقدت حركة المستقبل مؤتمرها العام الاول يوم الاربعاء بقاعة الصداقة ثم اعقبته بتشكيل مجلس قيادي افضى الى تسمية محمد الامين احمد اميناً عاماً للحركة التي أسست قبل ثلاث سنوات وتمثل شباب التيار الاسلامي فيما كان من اللافت انضمام هشام الشواني للمستقبل
وحظي مؤتمر الحركة باهتمام اعلامي وسياسي حيث شكل حراكاً سياسياً كبيراً وحضره عدد من القيادات السياسية المؤثرة والذين اثنوا على تجربة المستقبل واعتبروها مميزة.
الشاهد ليس في عقد حركة المستقبل لمؤتمرها العام وخاصة وانها تمثل الاسلاميين بشكل مختلف ولكنها ايضاً رسمت تساؤلات عن مصير بقية الاحزاب والكيانات التي لم تعقد مؤتمراتها العامة لسنوات طويلة عدا المؤتمر السوداني الذي اكمل استحقاقه امس. فحزب الامام الراحل ما زال في صراعاته الداخلية والتوازن القوي بمحيطه التنظيمي فيما لا يبدو بان الاتحادي الاصل حريصاً على عقد مؤتمره بالقريب العاجل بينما أجل الشيوعي مؤتمره لاجل غير مسمى فيما ما زال البعث غارقاً بخلافاته الداخلية اما التجمع الاتحادي الذي ظهر ضمن قوى الثورة فقياداته منشغلة بتداعيات الاطاري وتبعاته.
تجربة حركة المستقبل ابرزت بوضوح بان تيار اليمين لديه القدرة على العودة للساحة السياسية متى ما شاء بجانب قدراته بتحريك الجماهير فيما كشف مؤتمر الحركة بان اليسار في السودان ما زال غارقاً في بحر الشعارات وبعيداً عن ترجمتها بارض الواقع بعقد مؤتمراته والتي تبرز بوضوح بان تطبيقها لمعايير الشورى والحرية والديمقراطية يبدو متناقضاً على المستوى الداخلي.
تشكيل الحكومة.. استمرار الجدل.!
مع التئام كل لقاء جامع بين الاطراف الموقعة على الاطاري تتمدد مساحات (العشم) للسودانيين بتشكيل حكومة مدنية تسهم في استئناف عجلة الانتقال لايجاد معالجات للازمات الاقتصادية التي كشرت عن انيابها خلال الاشهر الاخيرة وليس ببعيد الزيادات التي فرضت مطلع مارس
وظلت خطوة تشكيل الجهاز التنفيذي محل جدل دائم وبعد ان كان هنالك اجماع على تكوينه بموجب تراض وطني بدأت هذه الفرضية تتقازم مع سوء الاحوال وتمدد المشكلات التي تجابه الخرطوم حيث بدأت فرضية تجاوز المكون العسكري للقوى المدنية وتشكيله لحكومة تصريف مهام واردة حال لم تصل الاطراف الى تفاهمات تفضي بانجاز حد ادنى من التوافق على الاقل.
واعلنت الحرية والتغيير عن تشكيل الحكومة منتصف مارس ثم اعقبته بتصريحات اخرى عقب اجتماع الاربعاء بموعد جديد قبيل رمضان والشاخص لمجريات العملية السياسية بشكل واقعي يرى من الصعوبة ان لم يكن مستحيلاً ان يتم اعلان رئيس وزراء في هذا الوقت خاصة وان هنالك التزامات لم تنجز بشكلها النهائي بعد وهي ورشتا العدالة الانتقالية والترتيبات الامنية والاولى انتهت بالخميس فيما ينتظر ان تنعقد الثانية غداً الاحد.
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد عبد القادر يرى أن احتمال تشكيل حكومة تصريف مهام يظل قائماً في ظل التحديات التي تواجه البلاد والتدهور الماثل بالاقتصاد والخدمات والامن ويضيف أنه ستأتي مرحلة سيكون فيها تكوين الجهاز التنفيذي ضرورة تقتضيها سيولة الواقع السياسي والامني وهنالك حديث جهير الان وسط الدوائر المؤثرة لاتخاذ القرار مفاده ان تعثر العملية السياسية افضى الى واقع فوضوي له مخاطر عديدة على حياة ومعاش المواطنين وعلى امن البلاد القومي ولذلك نلاحظ ان قضية تكوين الحكومة صعدت الان لمخاطر النقاش واصبحت جزءاً من الحوار الدائر بين اطراف الاتفاق الإطاري وهذا الحوار ترفضه بالضرورة قوى الحرية والتغيير التي تسعى للاستئثار بالسلطة عبر الإطاري الذي صمم لمنحها احقية تشكيل الحكومة والسيطرة على مفاصل اتخاذ القرار.
ويواصل محمد عبد القادر في معرض تعليقه ويقول بان الاتجاه لتشكيل حكومة تصريف مهام يصطدم برغبة الطرف القائم على امر البلاد في عبور المرحلة الحالية عبر تشكيل حكومة تصريف اعمال خاصة بعد تعثر العملية السياسية والبطء الملازم لتطوير الإطاري وزاد محدثي : منطق الأشياء وقراءات الواقع تجعل من المستحيل استمرار هذا الفراغ الحكومي نظراً للتدهور المستمر والمتواصل لاوضاع البلاد واحوال المواطنين.