دماء اهل القطينة وحكومة السراب ؟!.

0

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي

 

يشهد السودان هذه الأيام فصلاً مأساويًا جديدًا مع الأحداث المتلاحقة التي تعصف بمدينة القطينة وقرى ولاية النيل الأبيض ، حيث ارتكبت مليشيا الدعم السريع سلسلة من الجرائم المروعة ضد المدنيين العُزل ، امتدادًا لجرائمها السابقة في قري السريحة وود النورة والهلالية

 

 

هذه الانتهاكات التي تشمل القتل الجماعي والتهجير القسري والاعتداء على النساء والأطفال تأتي في ظل صمت مريب من المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية ، ومن بعض القوى السياسية السودانية ، التي يبدو أنها أكثر انشغالًا بمصالحها عن دماء السودانيين.

 

 

 

فقط عينها على الدعم الخارجي من المال الحرام ، وأكلاشيهات الفضائيات الكذوب ولاترجو تفويضا شعبيا ، ولايعنيها وحدة السودان وأمنه و استقراره . ذلك يطرح تساؤلات ملحة حول سكات هذه الأحزاب عن هذه الانتهاكات و دور المجتمع الدولي في التعامل مع هذه الكارثة الإنسانية .

 

 

 

 

أكد وزير الثقافة والإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الإعيسر بحسب ” السودان اليوم” أن الجرائم المرتكبة في القطينة تجسد نموذجًا صارخًا للانتهاكات التي تتنافى مع القيم الإنسانية والقوانين الدولية . ودعا الوزير إلى تصنيف مليشيا الدعم السريع كتنظيم إرهابي ، مشيرًا إلى أن هذه المليشيا باتت تمثل تهديدًا واضحًا لحياة المدنيين السودانيين وللسلم الإقليمي. مطالبا المجتمع الدولي باتخاذ موقف صارم ، حيث إن الاستمرار في صمته يُشجّع هذه المليشيا على التمادي في جرائمها .

 

 

 

كذلك وفقًا لبيان وزارة الخارجية السودانية، فقد قُتل 433 شخصًا خلال أيام قليلة في مجزرة القطينة ، وهو رقم يعكس حجم العنف الممنهج الذي تمارسه مليشيا الدعم السريع . هذه الجرائم لم تتوقف عند القتل فحسب ؛ بل شملت عمليات تهجير قسري واختطاف ، ومنع دفن الضحايا . هذه الانتهاكات تكشف عن استهانة تامة بالقيم الإنسانية والقوانين الدولية .

تعاني القطينة ، وهي مدينة تربط العاصمة الخرطوم بمدن جنوب النيل الأبيض، من حصار محكم فرضته مليشيا الدعم السريع منذ ديسمبر 2023 .

 

 

 

ونتيجة لذلك انهارت الخدمات الأساسية وتفاقمت معاناة السكان الذين باتوا يعيشون في ظروف مأساوية . تقارير ميدانية أكدت وقوع عمليات قتل جماعي ونهب واسع ، فضلاً عن إجبار السكان على النزوح تحت تهديد السلاح . حيث كشفت تقارير محلية ، منها تقرير “بيم ريبورتس”، عن ارتكاب المليشيا أعمال قتل ممنهجة استهدفت المدنيين داخل منازلهم وفي الطرقات ، بالإضافة إلى حملات انتقامية شملت عمليات اختطاف وابتزاز مالي .

 

 

 

 

مشاهد النزوح الجماعي من المدينة باتت رمزًا للمأساة السودانية حيث اضطرت آلاف العائلات إلى الفرار ، حاملة ما تيسّر من متاع ، وسط مشهد يُبرز انعدام الأمن وانهيار البنية الاجتماعية . ورغم هذه الفظائع يبدو أن الموقف الدولي لا يزال متردّدًا في التعامل بحزم مع هذه الجرائم ، ما يُثير تساؤلات حول فعالية النظام الدولي في حماية المدنيين ومحاسبة الجناة.

 

 

 

 

طالت الهجمات الممنهجة نطاق العديد من القرى المجاورة مثل الشكابة وود الهبيل ، حيث تم تدمير المرافق الخدمية ، وانعدام الغذاء والماء واستمرار انقطاع الكهرباء والاتصالات ، ما أدى إلى أزمة إنسانية خانقة . وأدى هذا الوضع إلى نزوح جماعي للعديد من العائلات، مما يبرز الحاجة الملحة للتحرك الدولي العاجل لردع هذه المليشيا وداعميها من أجل وقف هذه الانتهاكات .

الفاجعة التي يعيشها السودانيون اليوم تتمثل في أن الأطراف السياسية بدلًا من مواجهة هذا الواقع والانتصار للشعب ولقضاياه الإنسانية ، تبدو وكأنها تقدم طوق النجاة للمليشيا التي أوشك الجيش على القضاء عليها ، من خلال السعي وراء تشكيل حكومة تخدم مصالحها الضيقة وطموحات داعميها الإقليميين . لذلك السكوت عن مأساة القطينة ، والانشغال بتشكيل حكومة “السراب”، يكشف عن أزمة أخلاقية ووطنية عميقة . إنها لحظة فارقة في تاريخ السودان ، حين يطلب المواطن النصرة وتمضي أحزابه السياسية نحو مشروع الأجنبي تستنصر به .

اللافت أثناء انعقاد قمة الاتحاد الأفريقي في نيروبي بمشاركة ممثلين دوليين لمناقشة الأزمة السودانية ، ارتكبت الدعم السريع هذه الجرائم في مدينة القطينة ، مما يكشف تناقضًا واضحًا بين دعوات المجتمع الدولي للحل السلمي وتصرفات المليشيا التي تُظهر تجاهلًا تامًا لهذه الجهود .

 

 

 

من جهة أخرى تُثير مشاركة بعض الأطراف الإقليمية التي تدعم المليشيا في هذه المؤتمرات تساؤلات حول مصداقية الجهود الدولية . فبينما تُقدم هذه الدول نفسها كوسيط في الأزمة ، تُشير الوقائع إلى دورها المحوري في تأجيج الحرب من خلال دعمها المالي والعسكري للمليشيا . في ظل هذه التطورات يُجمع المراقبون على أن تجاهل المجتمع الدولي لهذه الانتهاكات يُعد بمثابة ضوء أخضرا للمليشيا للاستمرار في ممارساتها الإجرامية .

 

 

 

إن مأساة القطينة ليست مجرد حدث عابر في الأزمة السودانية ، بل تمثل اختبارًا للقوي السياسية وللضمير الإنساني وآليات العدالة الدولية . وإذا استمر العالم في الوقوف موقف المتفرج فإن هذه المأساة ستبقى وصمة عار في تاريخ الإنسانية ، وسيدفع المدنيون الأبرياء ثمن هذا التخاذل .

 

 

 

 

إن ما يحدث في القطينة يكشف عن نهج للعنف يهدد بتدمير النسيج الاجتماعي للسودان بأسره . تصنيف مليشيا الدعم السريع كمنظمة إرهابية أصبح مطلبًا ضروريًا ليس فقط لحماية المدنيين ، ولكن أيضًا للحفاظ على استقرار هذا البلد . لكن الأمل يظل قائمًا في قدرة الشعب السوداني على المقاومة، وفي التحرك الجاد لإعادة بناء دولة قائمة على الأمن والسلام .

 

 

 

عليه وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة تُعد مأساة القطينة جرس إنذار يُفترض أن يوقظ الضمير الإنساني والأخلاقي لحلفاء المليشيا وداعميها والمجتمع الدولي . إذا استمر تجاهل هذه الانتهاكات الوحشية من قبل المليشيا ، فإنها ستظل تحكي عن موت الضمير وضياع القانون ، فهل حان الوقت للمجتمع الدولي للتحرك بفعالية لوقف هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها ، أم تضيع دماء أهل القطينة في خضم صناعة حكومة السراب ؟!.
دمتم بخير وعافية .
الأربعاء 19 فبراير 2025 م Shglawi55@gmail.com

اترك رد