إبراهيم شقلاوي: حين تختبئ الابتسامة في الكهرباء

0

وجه الحقيقة |

كما تختبئ الصدفة في منعطف الطريق، ويكمن العسل البري في الرحيق – وفق ما وصف الشاعر محمد المكي إبراهيم – فإن الكهرباء، في واقع السودان، تختبئ فيها الابتسامة.. وكذلك خدمات الماء والخبز والعلاج وتدور بها عجلة الإنتاج، ويُبسط بها الأمن والسلام .

 

 

 

الكهرباء عند السودانيين ، لم تعد مجرد تيار يسري في الأسلاك، بل غدت رمزًا للحياة المدنية، واستعادة الحد الأدنى من استقرار الحياة واستمرارها. فهي تختبئ – بحق – في تفاصيل الابتسامات العابرة، وملامح الفرح الصادق حين تعود بعد طول غياب.. هكذا أصبح الحال ضروريا .. بالرغم من الاستهداف المتواصل للمنشآت في مروي وعطبرة ودنقلا الذي ظلت تقوم به مليشيا الدعم السريع.

 

 

 

 

بالأمس و في أحد مراكز طب الأسنان بأم درمان، المدينة التي لم تزل، رغم الحرب، تحتفظ بقدرتها العجيبة على الصمود والتحدي والكبرياء، رصدتُ مشاهد عفوية ومتداخلة ، لكنها عميقة الأثر و الدلالات.

 

 

 

 

بعد انقطاع التيار الكهربائي لما يقارب الأسبوعين عن عموم الخرطوم، عادت الكهرباء بالأمس فجأة. لم تكن مجرد عودة تقنية، بل عودة للنبض وللحياة. ضجّ المكان بالفرح والتصفيق، وأُطلقت زخّات الرصاص – كحال أهل مناطق الحرب. طفلة ضحكت ببراءة مدهشة، ورجل مسنّ اتصل بعامل البقالة ليستأنف المشتريات، وخرج الطبيب من العيادة ليبشّر عائلته عبر الهاتف بنهاية الإقامة القسرية في بيت الجد، وشرطي عند البوابة ابتسم وقال لي: “عودة الكهرباء تعني لنا تعزيز الأمن واتساع رقعته ليلًا… تعني تحويل الجهد إلى تأمين الناس بدل مطاردة الظلام والعتمة.”

 

 

 

ليست هذه المشاهد من الخيال أو محض انفعالات، بل مؤشرات اجتماعية وسياسية بالغة الدلالة تستحق الإنتباه. كما نعلم خلال أوقات الأزمات ، تصبح الخدمات الأساسية مرآة لمدى فاعلية الدولة أو غيابها. فالكهرباء – كما الماء والدواء – لا تعني البقاء فقط، بل تعني شعور المواطن بأنه موجود في معادلة الاهتمام العام من قبل الحكومة والدولة، وأن هناك في مكان ما، من يفكر في أمنه واستقراره.

 

 

 

في ظل هذا الواقع المضطرب، اتجه الناس نحو بدائل الطاقة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية، التي شهد سوقها انتعاشًا ملحوظًا خلال الأيام الماضية، وتحولت من حل نخبوي محدود إلى أفق شعبي متّسع، مليء بالفرص والتحديات. غير أن هذا التحول يصطدم بعقبات تنظيمية وإدارية تعيق توسع الاستخدام.

 

 

 

لذا، فإن اللحظة تقتضي من الحكومة الانتقال من دور الرقيب إلى دور الممكن، عبر رفع القيود الجمركية والضريبية على كافة بدائل الطاقة، وتسهيل دخولها، وتقديم الحوافز لمن يرغب في الاستثمار فيها، خاصة في الريف والمناطق التي خرجت عن الشبكة القومية.

 

 

 

فالإنتاج اللامركزي للطاقة لم يعد ترفًا أو خيارًا بيئيًا فقط، بل صار ضرورة وطنية واقتصادية ، تعزز من صمود واستقرار المجتمعات، وتخفف العبء عن الدولة، وتعيد التوازن المفقود بين المركز والهامش، والحضر والريف، وتدفع الناس إلى الاعتماد على الذات ضمن منظومة تحكمها المسؤولية المشتركة.. بل ربما صارت تجارة عكسية تُمنح بمقابل للآخرين.

 

 

 

إن عودة الكهرباء، في مثل هذا السياق، لا تُقرأ كتفصيل خدمي فحسب، بل كحدث سياسي وأمني، يتصل بالسلم الاجتماعي، وإعادة تعريف العلاقة بين الدولة ومواطنيها. لذلك ليس غريبًا أن تولد الابتسامة من ضوء المصباح، كما يختبئ البستان في وردة، أو كما تختبئ كفاءة الدولة – بمعناها الحقيقي – في لمبة تضيء، أو في خدمات طال انتظارها فجأة، بعد عتمة أوشكت أن تسلّم الناس للمجهول.

 

 

 

وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن ضوء الكهرباء حين يعود بعد طول انقطاع، لا يضيء الأحياء السكنية أو يحرك عجلة الإنتاج فحسب، بل يكشف الحاجة العميقة لإعادة بناء العلاقة بين الدولة ومواطنيها على أسس أكثر عدلًا ومرونة ومسؤولية.

 

 

 

في سياق إعادة الإعمار المنتظر، تبرز الطاقات البديلة لا كترف نخبوي، بل كضرورة وطنية، تتطلب من وزارة المالية العمل على رفع قيود الرسوم والضرائب التي تعرقل الوصول إليها، ومن وزارة الطاقة والكهرباء بذل مزيد من الجهد في توسيع نطاق التغطية، وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد، بجانب سعة الأفق في التخطيط.

 

 

أما المواطن فمسؤوليته أن يواكب هذا التحول بالترشيد، والاتجاه نحو البدائل المستدامة، لأن بناء المستقبل لن تصنعه الدولة وحدها، بل الشراكة الواعية المنتبهة من الجميع.

دمتم بخير وعافية.

الاثنين 20 أبريل 2025م Shglawi55@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك رد