إبراهيم شقلاوي: مياه القضارف تعيد وحدة السدود إلى الواجهة

0

وجه الحقيقة |

في تطور لافت يعيد الأمل لسكان ولاية القضارف، دشنت بالأمس حكومة الولاية المرحلة الثانية من مشروع الحل الجذري لمياه القضارف، بوصول الخطوط الناقلة لتغذية 25 قرية و18 حيًّا سكنيًّا، ضمن شبكة داخلية اكتمل تنفيذها بنسبة 99%. وبهذا التقدم، يعود المشروع إلى الواجهة لاستعادة الثقة بين الدولة والمواطن، رغم تحديات التمويل .

 

وأكد والي القضارف أن وصول الخطوط يمثل رسالة حاسمة للمشككين، معلنًا استئناف العمل الكامل بعد الخريف، في إشارة إلى إصرار الحكومة المحلية على طي هذا الملف المزمن.

 

عودة مشروع مياه القضارف إلى الواجهة، تُعَدّ تطورًا أعاد إلى الأذهان الدور المحوري لوحدة تنفيذ السدود، تلك المؤسسة التي شكّلت لسنوات ذراع الدولة في تنفيذ مشروعات البنية التحتية الكبرى، قبل أن يتوارى حضورها في المشهد خلال السنوات الماضية. واليوم، يبدو أن عودتها قد ترتبط بمرحلة جديدة من إعادة البناء وإعادة التوازن لمسار التنمية في البلاد.

يُعَدّ المشروع مياه القضارف من المشروعات المصاحبة لإنشاء سدي أعالي عطبرة وستيت في عام 2015، يُنظَر إليه كأكبر مشروع لإمداد المياه في السودان. وقد خُطط له ليغطي مدينة القضارف بالكامل، إضافة إلى 25 قرية و18 حيًّا سكنيًّا، عبر شبكة خطوط ناقلة داخلية بطول 1610 كيلومترات.

يتضمن المشروع مأخذًا مائيًّا من السد، ومحطة معالجة مركزية، وخزانًا بسعة 10,000 متر مكعب، وخطًّا ناقلًا رئيسيًّا بطول 75 كيلومترًا، بطاقة إنتاجية يومية تصل إلى 75,000 متر مكعب. وقد صُمِّم وفق معايير فنية عالمية، تلائم التوسع السكاني، وتعزز الأمان المائي طويل المدى.

اصطدم المشروع بمعوّقات تمويلية وبيروقراطية عطّلت تنفيذه. بحسب المهندس المقيم محمد سليم، فإن نسبة الإنجاز في مشروع مياه القضارف بلغت 96%، مع اكتمال تركيب الطلمبات ونظام المعالجة، فيما تبقى الربط النهائي والتشغيل رهن استكمال الالتزامات المالية الجارية.

وأوضح أن مراجعة الأعمال المنفذة، والتي مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات، قد تتطلب توريد بعض المعدات من الصين، ومن المتوقع اكتمال المشروع خلال 8 أشهر من استئناف العمل. وقد التزمت حكومة الولاية بحل مشكلة قرى الشميلباب حتى لا يتم اعتراض أعمال المقاول الصيني بعد استئناف أعمال الخط الناقل، دون أن تكون وحدة السدود طرفًا مباشرًا في ذلك.

ووفق ما أعلنه وزير المالية د. جبريل إبراهيم في تصريح لـ(سونا) في مارس 2023، فإن التكلفة الإجمالية بلغت 60 مليون دولار، موَّل منها البنك الإسلامي للتنمية – جدة 57.75 مليون دولار، ساهمت حكومة السودان بـ2.25 مليون دولار لتغطية الخدمات الاستشارية.

تعود وحدة تنفيذ السدود، بصفتها الجهة التي أشرفت على المشروع منذ بداياته، باعتباره من المشروعات المصاحبة لسدي أعالي عطبرة وستيت. هذه الوحدة، التي لعبت دورًا محوريًّا في تنفيذ مشروعات سد مروي وستيت وغيرها، تمتلك خبرة مؤسسية وفنية قلَّ نظيرها في السودان، وقدرتها على إدارة التمويل وتنفيذ المشاريع وفق معايير صارمة تُعَدّ من أبرز أسباب نجاحها في الماضي.

غياب الوحدة عن واجهة العمل مؤخراً من مشروعات البنية التحتية المتعلقة بالمياه ترك فراغًا فنيًّا وتنظيميًّا، لا سيما في مشروع مياه القضارف، انعكس في التعثّر المالي، وتضارب الصلاحيات بين الحكومة المركزية وحكومة الولاية، ما يستدعي إعادة النظر في تموضع الوحدة كمؤسسة ذات طابع قومي، ينبغي تفعيلها في المشروعات الكبرى، لا تهميشها.

يمثل مشروع القضارف اختبارًا لإرادة الدولة، وقدرتها على جعل التنمية فعلًا متماسكًا بين التخطيط والتمويل والتنفيذ. وهو مشروع يمسّ الأمن الإنساني، ويعزز الاستقرار المجتمعي، ويفتح الباب أمام تطوير الزراعة، والصناعات التحويلية، والتعليم، والخدمات الصحية، في ولاية تُعَدّ من أعمدة الاقتصاد القومي.

وقد ظلت قضية العطش في القضارف وغيرها من الولايات السودانية ملفًّا مفتوحًا لسنوات، تتراكم فيه الوعود أكثر من الحلول، حيث أصبحت معظم المشروعات “على وشك الاكتمال”، بانتظار دفعة من الالتزام السياسي والفني والمؤسسي. وهو ما يوجب إدارة المراحل المتبقية بأسناد وحدة السدود، لتجنب خطر التوقف الذي لا يزال شاخصًا مهما كانت نسبة الإنجاز.

إن عودة وحدة تنفيذ السدود إلى الواجهة ضرورة فنية وتنظيمية، لإعادة بناء الثقة بين الدولة والشركاء الدوليين، وبين المواطن والحكومة، لضمان أن يتحول المشروع إلى بنية تحتية مستدامة. فالوحدة، بخبرتها في ضبط الجودة، وإدارة العطاءات، والإشراف الفني، هي الأقدر على استكمال المشروعات وفق معايير تليق بحجمها وأهميتها. كذلك، من الأهمية عودة الوحدة لاستكمال مشروع صفرية العطش المرتبط بحصاد المياه في الريف ،لأجل عودة النازحين و تعزيز التنمية المستدامة.

وإذا كانت مياه القضارف قد بدأت في الحضور ضمن المشهد التنموي، فإن عودة وحدة تنفيذ السدود إلى مكانها الطبيعي هو الشرط لدوام هذه التنمية، ولتحويل مشاريع الاستقرار إلى استراتيجيات تعيد بناء الدولة، وتعمل على استعادة الأمن، وتثبيت السلام في الريف السوداني. ذلك هو #وجه_الحقيقة.

دمتم بخير وعافية.
الأحد 12 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com

اترك رد