صلاح الدين مركز يكتب: ..تجمع الشرفاء بالخارج ..خط الدفاع الأول.. من الغربة إلى قلب المعركة

0

 

 

في خضم العواصف التي تضرب السودان من كل اتجاه، وبينما يجهد الداخل في مواجهة واقع معقد يختلط فيه صوت السلاح بصوت المعاناة اليومية، ينهض من الخارج صوتٌ آخر لا يقل أهمية: تجمع السودانيين الشرفاء بالخارج. هذا الكيان لم يعد مجرد مبادرة عابرة أو نداء عاطفي من أبناء المهجر، بل أصبح بحق خط الدفاع الأول عن السودان في معركة السيادة والكرامة الوطنية.

 

لعلّ أبرز ما يميز هذا التجمع هو أنه أعاد تعريف دور المغترب. فالمغترب في العادة يُنظر إليه كمصدر دعم اقتصادي عبر تحويلات مالية، أو كأداة مساندة بعيدة عن تفاصيل الشأن اليومي. لكن هذا التجمع كسر الصورة النمطية، وحوّل الغربة إلى جبهة موازية للداخل، جبهة سلاحها الكلمة، والحقيقة، والضغط الدبلوماسي والإعلامي.

 

من الوقفات الاحتجاجية أمام برلمانات العالم، إلى المذكرات الرسمية التي تصل للمنظمات الدولية، ومن الحملات الرقمية التي تكشف ما يُحاك ضد الوطن، إلى النشاط الإعلامي الدؤوب الذي يفضح التواطؤات، أصبح واضحاً أن صوت الخارج أحياناً أبلغ أثراً من الداخل، لأنه يخاطب العالم بلغته، ويملك قدرة على فضح المستور في الساحات التي يُراد التعمية عليها.

 

ولعلّ الأمس القريب قدّم مثالاً ساطعاً على ذلك، حين فضح التجمع مليشيا الدعم الإرهابية المتدثرة بثياب جديدة تحت مسمى “حكومة تأسيس”. هذه المحاولة البائسة لتغيير الجلد والتخلص من أثقال الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوداني لم تنطلِ على أبناء الوطن في المهجر، الذين سارعوا إلى تعريتها وكشف حقيقتها أمام الرأي العام. لقد وجّهوا رسالة واضحة: أن تغيير الأسماء لا يُسقط المسؤولية، وأن التاريخ لا يمحوه خطاب مُنمّق أو لافتة جديدة.

 

ما يقوم به التجمع يتجاوز الشجب والإدانة، فهو يعيد صياغة الوعي الوطني، ويرسل رسالة مزدوجة: إلى الداخل أنكم لستم وحدكم، وإلى الخارج أن السودان ليس ساحة مفتوحة للمساومات والصفقات. ومن هنا تكتسب مواقفهم أهميتها، لأنهم يعملون من قلب المنظومة الدولية، حيث تُصنع القرارات وتُرسم السياسات، ولأنهم يعرفون كيف يخاطبون مؤسسات الرأي العالمي بلغتها.

 

في وقتٍ يترنح فيه السودان بين صراع البقاء وضغوط التدخلات الخارجية، فإن وجود خط دفاع أول من الخارج يكتسب قيمة استراتيجية. هؤلاء ليسوا مجرد مغتربين يتابعون المشهد عن بعد، بل هم جنود وطنيون بوسائل مختلفة: يكتبون، يحتجون، يضغطون، ويعكسون صورة السودان الحقيقية بعيداً عن التشويه.

 

إن الإشادة بما يقوم به تجمع السودانيين الشرفاء بالخارج ليست مجاملة، بل اعتراف بواجب وطني يُؤدَّى في أصعب الظروف. لقد حوّلوا الاغتراب من حالة اغتراب عن الوطن إلى حالة انتماء متقد، وأثبتوا أن المسافة لا تقطع الحبل السري مع الوطن الأم. هم اليوم صوت الضمير السوداني في الخارج، وحقاً هم خط الدفاع الأول الذي يقف في مواجهة مؤامرات الداخل والخارج على حد سواء.

اترك رد