إبراهيم شقلاوي: حاويات النــ..ــازيون الجدد.
وجه الحقيقة |
ظلت الحرب في السودان ، تكشّفت كل حين عن مشاهد مروعة توثق فظائع مليشيا الدعم السريع بحق المدنيين ، مؤخرا كشف الستار عن الأسرى في معتقلات خاضعة لسيطرتها في الخرطوم وضواحيها. إحدى أكثر الأدلة دموية كانت مقاطع مصورة كشفت عن آلاف الجماجم والهياكل العظمية داخل حاويات شحن ، حيث تعرّض المعتقلون للحرق أحياء، في مشهد يعيد إلى الأذهان أفظع جرائم الإبادة الجماعية التي سجلها التاريخ في الحقبة النازية.
لكن الجريمة لم تتوقف عند حدود القتل الجماعي، بل امتدت إلى استخدام الأسرى في مراحل لاحقة كدروع بشرية، عبر ترحيلهم قسرًا إلى دارفور، في مخطط ممنهج يعكس عقلية الإبادة تقارير إعلامية، من بينها تقرير لقناة “الحدث”، كشفت أن المليشيا لم تكتفِ بالتعذيب والقتل، بل لجأت إلى نقل الأسرى في حاويات شحن إلى مناطق نائية، في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية، مما يرسّخ صورة مرعبة لممارسات تصنف ضمن أبشع الجرائم ضد الإنسانية.
كذلك أورد تقرير “سودان تربيون” توثيق شهادات الأسرى المحررين من معتقلات الدعم السريع، حيث أشار أحد الأسرى الذين تم تحريرهم من معتقل جبل أولياء إلى أن المليشيا كانت تمارس أسلوبًا ممنهجًا في التعذيب، إذ بلغ عدد الوفيات اليومية بين الأسرى ما بين 30 إلى 40 حالة، نتيجة للتعذيب والجوع والعمل القسري.
على ضوء ذلك، أعلنت شبكة أطباء السودان، في تعميم صحفي يوم الجمعة، عن إرسال فريق طبي للتحقق من تقارير تفيد بحرق المعتقلين داخل حاويات في الخرطوم على يد مليشيا الدعم السريع، مؤكدة أنها ستنشر نتائج التحقيق. وقد أكد العديد من الصحفيين والمواطنين الذين وثقوا هذه الجريمة أن المليشيا لم تكتفِ بتعذيب المعتقلين، بل تعمدت تنفيذ عمليات قتل جماعي باستخدام الحاويات، وهو ما يعد انتهاكًا صارخًا للقيم الإنسانية.
تندرج هذه الجريمة ضمن سلسلة من الانتهاكات التي وثقتها منصات إعلامية محلية ودولية، ومنها “عاجل نيوز”، التي أظهرت صورًا مروعة ومقاطع فيديو للحاويات المحترقة التي كانت تحمل جثث الأسرى. الأنباء المتداولة حول هذه الجرائم تطرح سؤالًا مؤرقًا حول موقف المجتمع الدولي من هذه الانتهاكات، حيث لا يزال الكثيرون يعتقدون أن هناك صمتًا دوليًا مريبًا تجاه ما يحدث في السودان من جرائم المليشيا ، التي ترقى إلى تصنيفها كمنظمة إرهابية، في الوقت الذي تسارع فيه منظمات حقوق الإنسان إلى إدانة جرائم مماثلة في مناطق نزاع أخرى.
في وقت سابق، أعلنت الخارجية الأمريكية عن عقوبات فرضتها الخزانة الأمريكية على قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، وسبع شركات تابعة له مقرها الإمارات، متهمةً القوات بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية. كما ذهبت منظمات حقوقية في الاتجاه ذاته.
وفقًا لاتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، التي تنظم معاملة أسرى الحرب، يُحظر تعذيب الأسرى أو معاملتهم بوحشية. كما تنص المادة (3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف على ضرورة المعاملة الإنسانية لهم . في هذا السياق، يوضح البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 أن أي انتهاك جسيم لهذه الأحكام يُعد جريمة حرب تستوجب المحاسبة.
يرى خبراء القانون الدولي أن غياب المساءلة يُشجع على تكرار مثل هذه الجرائم، مطالبين بآليات أكثر فاعلية لضمان احترام المواثيق الدولية. كما أن استمرار هذه الانتهاكات دون رادع يُقوّض المبادئ التي قام عليها النظام القانوني الدولي، ويطرح تحديات كبيرة أمام العدالة في تحقيق الردع والمحاسبة، خاصة أن المادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تُصنّف القتل العمد والتعذيب بحق الأسرى كجرائم حرب تستوجب العقاب.
من جانبها، أصدرت الحكومة السودانية بيانًا رسميًا، عبر وزير الثقافة والإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الإعيسر، أدانت فيه بشدة تلك الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع، مؤكدة ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم وفقًا للقوانين الدولية. كما دعت الحكومة منظمات حقوق الإنسان إلى التحلي بالمصداقية والشفافية في توثيق الانتهاكات، محذرةً من مغبة التغطية على هذه الجرائم. وأكدت الحكومة السودانية أن هذه الجرائم لا تمثل فقط انتهاكًا للحقوق الإنسانية، بل تشكل أيضًا تهديدًا للأمن الإقليمي والدولي.
في ضوء هذه الانتهاكات، وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، لا بد من مساعٍ قوية لتحقيق العدالة، خاصةً في سياق الجرائم التي تندرج تحت بند جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. لا بد أن تظل هذه الأحداث على رأس جدول أعمال الحكومة السودانية والأمم المتحدة والهيئات الحقوقية، حتى تتم محاسبة الضالعين في ارتكاب هذه الجرائم على أي مستوى من المستويات، لينصف الضحايا، ولا تتكرر مثل هذه الفظائع، وحتى تنعم بلادنا بالأمن والسلام.
دمتم بخير وعافية.
الإثنين 31 مارس 2025 م Shglawi55@gmail.com