إبراهيم شقلاوي: أنطاليا التركية: بين العزلة والعودة.

0

وجه الحقيقة |

 

 

 

 

ليس من الممكن فهم دلالة مشاركة السودان في منتدى أنطاليا أو اللقاءات الدبلوماسية التي سبقتها، بمعزل عن السياق الإقليمي الأشمل الذي تتحرك فيه البلاد. فالمشهد السياسي لا يُقرأ كأحداث منفصلة، بل كسلسلة مترابطة، يتكامل فيها تحليل الزيارات والتصريحات والتحالفات، لتشكل خطابًا سياسيًا موحّدًا يعكس استراتيجية البلاد المتكاملة، بعيدا عن الارتجال التكتيكي. في هذا المقال نحاول مناقشة ذلك من خلال سياقات الأحداث وتطوراتها وصولا لمغذي المشاركة وفوائدها المحتملة.

 

 

 

إن اللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة برئيس جهاز المخابرات المصري قبل أيام من زيارته إلى تركيا في بورتسودان ، لا يمكن فصله عن السياق العام لتحركات السودان في الإقليم. كما أن اللقاء المباشر مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لا يُفهم على أنه زيارة ثنائية عابرة، بل هو جزء من بناء موقف سياسي متماسك يعيد تموضع السودان في خريطة العلاقات الإقليمية والدولية. هذه القراءة المتكاملة، التي ترفض اجتزاء الحدث من محيطه، تسمح بفهم أعمق للخيارات السودانية، وتُحبط محاولات تصوير الحراك السياسي على أنه استجابة ظرفية طارئة أو خضوع لمحاور اقليمية أو دولية جاهزة.

 

 

 

 

 

في توقيتٍ بالغ الحساسية، جاءت مشاركة رئيس مجلس السيادة السوداني القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، في منتدى أنطاليا الدبلوماسي 2025 ، المقام بمدينة أنطاليا التركية في الفترة من 11 الي 13 أبريل تحت شعار: “استعادة الدبلوماسية في عالم منقسم”. المشاركة لم تكن بروتوكولية فحسب، بل حملت في طياتها رسائل سياسية متعددة تتجاوز رمزية الحضور إلى ما هو أبعد، في سياق سعي السودان لإعادة تعريف موقعه على خارطة التوازنات الإقليمية والدولية، وسط حرب داخلية معقدة وتحديات متفاقمة أثرت في مرحلة على تماسك الدولة.

 

 

 

 

المنتدى الذي يُنظم سنويًا برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويحضره عدد من رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية وممثلي المنظمات الدولية، تحوّل إلى منصة للحوار حول مستقبل العلاقات الدولية، وأهمية استعادة الدبلوماسية كأداة للتفاهم وحل الأزمات في عالم متشظٍّ بالصراعات. وفي كلمته الافتتاحية، أشار الرئيس أردوغان بوضوح إلى خطورة المرحلة، منددًا بالانتهاكات التي تتعرض لها بعض الشعوب، في تلميح لا يخلو من إشارات تضامن ضمنية مع قضايا مثل الأزمة السودانية.

 

 

 

 

 

على هامش المنتدى برز اللقاء الثنائي بين البرهان وأردوغان في القصر الرئاسي بالعاصمة أنقرة، وهو لقاء مغلق ناقش – وفق ما رشح من تسريبات إعلامية – سبل تعزيز العلاقات بين السودان وتركيا، بالإضافة إلى تطورات القضايا الإقليمية، وعلى رأسها المشهد السوداني المتأزم. اللقاء رغم طابعه الثنائي، يحمل بعدًا إقليميًا مهمًا، إذ تشير بعض المعطيات إلى احتمال طرح مبادرة تركية لجمع السودان والإمارات على طاولة حوار مباشر، ما يعكس رغبة أنقرة في لعب دور الوسيط المتوازن، مستفيدة من علاقاتها الجيدة مع الطرفين.

 

 

 

 

دلالات المشاركة السودانية لا تنفصل عن السياق الأوسع لتحركات الخرطوم الدبلوماسية خلال الأسابيع الأخيرة، والتي تهدف بوضوح إلى كسر العزلة الدولية المفروضة، واستقطاب دعم سياسي واقتصادي وإنساني يعين السودان على تجاوز أزمته. وفي هذا السياق تمثل اللقاءات الثنائية التي أجراها البرهان على هامش المنتدى جزءً من استراتيجية دبلوماسية مرنة، تسعى لتوسيع قاعدة العلاقات وتحفيز الشراكات الإقليمية، خاصة في المجالات التنموية الحيوية مثل الزراعة والطاقة والبنية التحتية.

 

 

 

 

 

اقتصاديًا تفتح الزيارة الباب واسعًا أمام استثمارات تركية محتملة، يمكن أن تسهم في إعادة بناء ما دمرته الحرب، خصوصًا في المناطق المحررة ، في وقتٍ يعاني فيه الاقتصاد السوداني من اختناقات حادة. وقد بدت الحكومة السودانية من خلال هذا الحراك، راغبة في بناء شراكات تقوم على الاحترام المتبادل وتراعي الخصوصية السودانية، بعيدًا عن الإملاءات أو التدخلات في الشؤون الداخلية.

أما من حيث تركيبة الوفد السوداني، إلى جانب وزير الخارجية د. علي يوسف الشريف فقد حمل وجود كل من مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، ومدير منظومة الصناعات الدفاعية الفريق أول ميرغني إدريس، إشارات واضحة إلى أن الملفات الأمنية والعسكرية كانت حاضرة في أجندة النقاشات، وهو ما يعكس التداخل العميق بين أبعاد الأزمة السودانية، ويدل على أن الدبلوماسية السودانية اليوم لم تعد مفصولة عن الحقول الأمنية والعسكرية، بل باتت تسير بالتوازي معها، كجزء من مقاربة شاملة مطلوبة لإعادة بناء الدولة واستعادة مركزها الدولي والإقليمي.

 

 

 

 

 

إن مشاركة السودان في منتدى أنطاليا في ظل ما يحيط به من تعقيدات داخلية وتقاطعات إقليمية، تمثل اختبارًا مزدوجًا لقدرة الدولة على تصدير رؤيتها السياسية “بوعي صارم” وفي الوقت ذاته اختبارًا لمدى جدية المجتمع الدولي في دعم البلد للخروج من محنتها هذا ما يبدو عليه الواقع في ما نراه من #وجه_الحقيقة، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والمصالح المؤقتة. كما يبدو أن السودان وهو يسعى لإعادة التموضع، يراهن على تعزيز العمل المشترك من بوابة الشراكات المتزنة والاحترام المتبادل، لا من زاوية الاستقطابات الحادة التي لم تفضِ إلا إلى مزيد من التشظي والانقسام.

 

 

 

 

-أعتذر للقُرّاء الأعزاء عن احتجاب عمود وجه الحقيقة خلال الأيام القادمة لأسباب خاصة، راجيًا أن أعود إليكم قريبًا بإذن الله تعالى. شكرًا لوفائكم وتقديركم الدائم.

دمتم بخير وعافية.

الإثنين 14 أبريل 2025م Shglawi55@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك رد