هل تتفكك روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا؟
اسفير نيوز __وكالات
لا تزال الحرب الروسية في أوكرانيا مستمرة دون تحقيق مكاسب ملموسة لموسكو، بعد أسابيع من انطلاقها، إلا أن الخسائر باتت أكثر وضوحاً.
ووفقاً للباحث الأميركي دان نيجريا، فقد تفضي تلك الخسائر في النهاية إلى تفكك روسيا، مع تصاعد المطالب بالاستقلال من جانب الجمهوريات المكونة للاتحاد الروسي، في تكرار لسيناريو تفكك الاتحاد السوفياتي.
وقال نيجريا، الزميل في مركز «سكوكروفت» للاستراتيجيات والأمن التابع للمجلس الأطلسي، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست»، إن «غزو روسيا المشؤوم لأوكرانيا يعيد إلى الأذهان الحملة ضد السويس (ما يطلق عليه «العدوان الثلاثي» في مصر) من جانب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في عام 1956؛ حيث كان تراجع بريطانيا وفرنسا المهين بمثابة نهاية لوضعهما كقوى من الدرجة الأولى، وبداية فترة مضطربة من الأزمات السياسية وفقدان الأراضي لصالح حركات الاستقلال».
وأضاف نيجريا الذي عمل سابقاً بمكتب التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية، أن «التاريخ قد يعيد نفسه؛ حيث تواجه روسيا فشلاً في محاولتها لاحتلال أوكرانيا. وفي خضم هذه العملية تتكبد روسيا خسائر فادحة في القدرة العسكرية والقوة الاقتصادية والموقف الدولي». وقال: «من الواضح الآن أن روسيا ليست قوة عظمى في مصاف الولايات المتحدة والصين. وتدخل فترة من الاضطرابات السياسية التي من المرجح أن تشمل مطالب بالاستقلال من جانب الجمهوريات المكونة لها، تؤدي إلى تفكك الاتحاد الروسي على غرار ما شهده الاتحاد السوفياتي من قبل».
وتابع: «في عام 1956، بدت بريطانيا وفرنسا تتمتعان بالقوة. وكانتا منتصرتين مؤخراً في الحرب العالمية الثانية، وقوتين أوروبيتين مهيمنتين، وعضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي، وحكمتا إمبراطوريتين استعماريتين شاسعتين. وقد شعرتا بالقوة الكافية لغزو مصر لمنع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من تأميم قناة السويس. ولكن بعد ذلك اعترضت القوى العظمى الحقيقية في ذلك الوقت؛ حيث هددت الولايات المتحدة بعقوبات اقتصادية، وهدد الاتحاد السوفياتي بانتقام عسكري، واضطرت بريطانيا وفرنسا إلى التراجع المهين. واتُّهم رئيس الوزراء البريطاني آنذاك أنتوني إيدن بالكذب على مجلس العموم، وأُجبر على الاستقالة. وبعد أن شعرت المستعمرات البريطانية بالضعف، زادت من ضغطها من أجل الاستقلال. وسقطت الملكية العراقية الموالية لبريطانيا في عام 1958، وأصبحت قبرص ومالطا مستقلتين بعد ذلك
بوقت قصير. وبحلول عام 1967، استقل أكثر من عشرين من الأراضي الخاضعة لبريطانيا».
وأضاف: «كانت الأزمة في فرنسا أكثر سوءاً. وجاء الانسحاب من السويس بعد عامين من استسلام الحامية الفرنسية في ديان بيان فو للفيتناميين الشماليين، وعزا بعض الضباط العسكريين هذه الهزائم إلى طبقة سياسية لا تملك من القوة شيئاً. وفي عام 1958، قامت مجموعة من الضباط العسكريين والمسؤولين الاستعماريين بانقلاب في الجزائر، وانهارت الجمهورية الرابعة، وتولى شارل ديغول السلطة رئيساً للجمهورية الخامسة. وفاز الجزائريون بحرب الاستقلال الطويلة في عام 1962، وفر 900 ألف أوروبي جزائري إلى فرنسا خوفاً من الانتقام. واكتسبت حركات الحرية قوة في جميع أنحاء المستعمرات الفرنسية».
وقال إن «الحرب الروسية الأوكرانية التي شنها فلاديمير بوتين تعد بمثابة تجاوز، وسوف تجبر روسيا على الاعتراف بحدودها ومكانتها المتضائلة. ومن المرجح أن تواجه مطالب متجددة بالاستقلال من الجمهوريات والأقاليم المكونة لها».
وتابع: «العالم كله يشهد عجز الجيش الروسي عن استعراض قوته حتى في بلد مجاور بثلث حجمه. ويتراجع الاقتصاد الروسي تحت وطأة تكلفة الحرب والعقوبات؛ حيث يتجه التضخم نحو 20 في المائة، وسينكمش الاقتصاد بنسبة 10 في المائة هذا العام، ولا تعمل البورصة الروسية، وانخفضت الأسهم الروسية المتداولة في لندن بأكثر من 90 في المائة. وسيزداد تأثير العقوبات القاسية للغاية والشاملة المفروضة على روسيا من قبل معظم القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، مع مرور الوقت».
وأوضح أن «العواقب السياسية الدولية للغزو واقعية بالقدر نفسه. فليس لدى روسيا حلفاء مهمون في هذه الحرب. ولا تقدم الصين سوى دعم ضمني. وبيلاروس حليف ولكن ليس لديها الكثير لتقدمه. وفي الوقت نفسه، فإن كل أوروبا تقريباً والولايات المتحدة وكندا واليابان وأستراليا، والعديد من دول العالم الحر الأخرى مصطفة ضد روسيا، وتساعد أوكرانيا بنشاط».
ورأى نيجريا أنه «يتم التعامل مع هذه التحديات الخطيرة من قبل نظام سياسي هش، مبني حول ديكتاتورية بوتين الشخصية. ويضيف أنه سيتعين على بوتين زيادة القمع الداخلي بشكل أكبر للتعامل مع عدم الرضا المتزايد عن الحرب. ولكن هذا أيضاً له تكاليفه وحدوده، فهناك عدد أكبر من الأشخاص اليوم في أجهزة الأمن الروسية مقارنة بقواتها المسلحة، وعدد كبير من الأشخاص في السجون».
وخلص نيجريا إلى القول إن «غزو أوكرانيا كان خطأ فادحاً في التقدير، فقد اعتقد بوتين أن الأمر سيكون مثل غزو المجر في عام 1956، أو تشيكوسلوفاكيا في عام 1968، مما جعل الاتحاد السوفياتي أقوى؛ بل إنها أشبه بحرب أفغانستان 1979- 1989 التي تفكك بعدها الاتحاد السوفياتي، وأصبح عديد من الجمهوريات المكونة له مستقلة».