ظّلت الحكومة بعد إجراءات 25 أكتوبر تعاني من مشكلة في الإيرادات، وتلجأ للحصول على موارد إضافية برفع سعر الدولار الجمركي أو العائدات الضريبية، دون الإلتفات للمشكلة الحقيقية للسودان الذي يعاني ركوداً اقتصادياً وتراجعاً في الصادرات والوارادت، وهذه السياسات لم تعالج أزمة الإيرادات الحكومية بل قللت الواردات بحسب آراء الخبراء و المختصين.
تقرير : أحمد بن عمر
و نتيجة لهذه السياسات ، أعلنت شعبة المستوردين السودانيين في تصريح صحافي الثلاثاء الماضي ، تطبيق زيادة جديدة في الدولار الجمركي برفع قيمته 26.8% من 445 جنيهاً إلى 564 جنيهاً، ” الدولار الجمركي” و هو مصطلح اقتصادي، يعبر عن سعر الدولار أمام الجنيه الذي تستخدمه الجهات الجمركية لتحديد قيمة البضائع المستوردة من أجل حساب الرسوم الجمركية بناءً عليه.
*بيان نفي من المالية و الجمارك السودانية
كشفت هيئة الجمارك، بأنه لم يعد هناك ما يُسمى (بالدولار الجمركي).
وأوضحت الجمارك: “منذ الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة في يونيو 2021م، لم يعد هناك ما يُسمى بالدولار الجمركي، جاء بعد بيان الجمارك بيان ايضاً من المالية ينفي صدور أي قرار من الوزارة بزيادة الدولار الجمركي وأن ماتم تداوله بشأن زيادة الدولار الجمركي أمر غير صحيح.
الخبير الاقتصادي “محمد المصباح” عّلق علي خبر النفى بإفادة لل(الجريدة) قائلاً : ( يُفترض عدم تحديد سعر جمارك بل يُوخذ اسبوعياً من سعر بنك السودان مع إشتراط ان يكون السعر حراً لكن الحكومة أصرت علي تثبيت السعر في المرة الأولي في 350ج مع التعويم و من ثم حدثت فجوة فقامت الحكومة بتحريكه مجدداً فتم تحريكه الي 445 ثم تكررت نفس الفجوة حتى تم تحريكه الي 565 في تناقض تام لهيئة الجمارك.)
و تابع “المصباح” : (الجمارك أخطأت و انتبهت متأخرة بالتجربة و في كل مرة تتنتظر بالشهور مما تتسبب في صدمة للأسواق بدلاً من تحرك السعرين معاً تدريجياً بما يسمح برؤية واضحة لقطاعات الأعمال المختلفة و لدخول المواطنين لمواكبة الاسعار) و أنتقد “المصباح” الحكومة مُضيفاً : (كان يجيب مراجعة جميع التعرفات الجمركية والقيمة المضافة على السلع المستوردة وهو ما لم يحدث حتى الآن و ظلت الجمارك مع وزارة المالية تزيد من الدولار الجمركي مرة و مرة بصورة عشوائية تماماً بصورة لا ترتكز على مرونة السلع وعلاقاتها المتداخلة و هذا الأمر ايضاً ستنتبه له الجمارك متأخرة بعد أن تعرف بأن الايرادات فعلياً في أنخفاض بدلاً عن أرتفاع نتيجة لأنخفاض في حجم الاستيراد فاق الارتفاع في التعرفة الجمركية للسلعة المعينة.)
*بيان من غرفة المستوردين
اتحاد الغرف التجارية (غرفة المستوردين) تُقرر إيقاف الاستيراد و عدم دفع اي رسوم حكومية بعد زيادة مفاجئة لقيمة الدولار الجمركي لأكثر من 26%.
بيان جاء ايضاً بعد تحريك سعر الدولار الجمركي و بعد شكوى من غرفة المستودين من إشكالات بسبب الإضراب في ميناء حلفا و بورتسودان و توقف الاستيراد للسلع الاستراتيجية ، الأمر الذي سبب خسائر يومية للمستوردين بنحو 20 الف دولار للباخرة الواحدة.
*تخوف من أنفجار الاسعار
عضو اتحاد الصناعات السوداني “عثمان فاروق” ذكر لل(الجريدة) أن: (القرار يؤدي إلى خروج المزيد من المصانع من دائرة الإنتاج، لافتا إلى أن 80 في المئة من المصانع العاملة في البلاد إما توقفت عن العمل أو تعمل بعضها بأقل من 20 في المئة من طاقتها الإنتاجية بعد الزيادة السابقة في سعر الدولار الجمركي )و أضاف : (نتوقع أرتفاع أسعار السلع المستوردة في السوق المحلي خلال الفترة المقبلة بنسبة قد تصل إلى 10%، وذلك بخلاف الزيادة التي حدثت بالفعل مع توحيد سعر الصرف الذي قامت به حكومة البرهان .)
“حسن الريح “عضو غرفة المستوردين كأن له نفس الرأيي و ذكر لل(الجريدة) : (تحريك الدولار الجمركى بفارق هذا السعر يؤدي إلى انفلات معدلات الاسعار ، مما قد يقود إلى نتائج عكسية ليس على المواطنين فقط، بل حتى على الشركات والمستوردين )وتابع : (حذرنا الحكومة الحالية من الاستمرار في نهج النظام السابق بالإثقال على كاهل القطاع الخاص بالضرائب والذي ينعكس تلقائيا على المواطنين .)
و أشار “حسن” الي أن : ( تحريك الدولار الجمركى يتسبب في غلاء طاحن، في ظل الارتفاع الكبير الذي تسجله أسعار السلع النهائية المستوردة، وكذلك المنتجات المحلية التي يتم استيراد خاماتها من الخارج، مشيرا إلى أن هذا الوضع يعمق الركود في ظل انهيار القدرات الشرائية لمعظم المواطنين. ولفت إلى توقف عدد كبير من التجار عن البيع خوفاً من التعرض للخسائر.)
*سياسية مالية لزيادة الأيرادات من المواطن
أقر وزير المالية والتخطيط الاقتصادي “جبريل إبراهيم،” بعدم امتلاك وزارته الموارد الكافية وانها تعتمد في مواردها على جيب المواطن.
وأعلنت الحكومة ايضاً في مايو الماضي، زيادات جمركية جديدة على عدد من السلع، بنسبة بلغت 100% لتغطية عجز الإيرادات في الموازنة العامة للدولة للعام الحالي 2022.
شملت الزيادة سلع الأواني المنزلية، والأجهزة الكهربية والأخشاب والأثاث، والملبوسات الجاهزة والحلويات بزيادة رسمها الإضافي بنسبة 25%، وإطارات السيارات الصغيرة 25% والسيارات الكبيرة 10%، فضلاً عن زيادة الرسم الإضافي للدقيق لنسبة 25%، ومستحضرات التجميل بنسبة 40%.
معارضاً للقرارات ذكر عضو غرفة المستوردين “الفاتح نورالدين” لل(الجريدة) : (أن كل ما فعلته الموازنة تحت شعار “الموارد الذاتية” هو “مضاعفة الإيرادات بفرض جبايات غير مسبوقة على المواطنين تحت ذرائع مختلفة، تارة بزيادة إيرادات الضرائب بنحو 150% في بلاد تعاني ركوداً كبيراً مع انكماش كبير في الأنشطة الاقتصادية، وهجرة رؤوس الأموال، والمستثمرين، وتارة أخرى بزيادة الدولار الجمركي) ، و أكمل”الفاتح” : ( السياسات التي اتبعتها الدولة منذ عام 2020-2022 رفعت كلفة الإنتاج، وهذا ليس من مصلحة السودان، وكأن من الافضل ان تقوم الحكومة الحالية بتصفير جمارك السلع الأساسية الضرورية ومدخلات الإنتاج، عملت على تعديل الدولار الجمركي، ما يؤدي إلى زيادة كبيرة في زيادة الاسعار الذي يؤثر علي الوضع العام للمواطن )
المحلل الاقتصادي و خبير الضرائب “بابكر احمد” ذكر ايضاً لل(الجريدة) : ( الهجوم الشديد علي جيوب المواطنين سيكون خصم علي الاسواق بعد ان فشلت حكومة جبريل ابراهيم في توفير مصادر حقيقية للايرادات لدعم الموازنة ، و أضاف “بابكر” (إنه من المتوقع أن ينعكس رفع سعر الدولار الجمركي على الرسوم الجمركية المحددة على البضائع المستوردة. وبالتالي على تكلفة الإنتاج أو توفير هذه البضائع في الأسواق. ما يؤدي إلى زيادة أسعارها ) و تابع “بابكر” : (الزيادات الجمركية تتسبب في زيادات فورية بالسلع الاستهلاكية الضرورية والكمالية معاً، خاصة السكر والدقيق وألبان الأطفال)
و أشار “بابكر” الي : (تضاعف مستوى الكساد الشرائي بأسواق الخرطوم من قبل المواطنين والذين صاروا عاجزين عن توفير احتياجاتهم الغذائية من السلع بسبب محدودية الدخول والغلاء الطاحن الذي تتسبب به الحكومة بطريقة مباشرة وغير مباشرة)
وناشد “بابكر” الحكومة بأن : ( تتوقف عن طباعة النقود و تعمل علي الاصلاح للنظام الضريبي في الدولة بدلاً في التعامل بعشوائية مع نقص الايرادات و استخدم المواطن المطحون بالسياسات و تحميلها عليه بدفع تكلفة الإنقلاب علي الحكومة الانتقالية التي ظِلت متخبطة اقتصادياً)
*توقعات بزيادة في التضخم
بعد انخفاض معدل التضخم السنودي مؤخراً إلى 148.88% في يونيو من 192.21% في مايو ، و تخوفت الخبيرة الاقتصادية بالبنك الدولي د”زحل النور” لل(الجريدة) من عودة أرتفاع التضخم و زيادة الأسعار قالت : (من الطبيعي بارتفاع سعر الدولار الجمركي ستؤثر في السواق الموازي نظرًا لارتفاع سعر صرف الدولار في البنوك وحتى لا يتحمل أحد الفارق بين السعرين ،والتخوف من أن يعود معدل التضخم في الأرتفاع مع تأثير زيادة الدولار الجمركي الذي سيتحرك مرة أخرى بالزيادة لأنه في نهاية الأمر سعر غير محرر بالكامل) ،وتابعت “زحل النور” : ( أن الزيادة المرتقبة لأسعار العديد من السلع تأثرا بارتفاع الدولار الجمركي سواء المستوردة تامة الصنع أو المنتجة محليا وتعتمد على مستلزمات إنتاج مستوردة ستدفع معدلات التضخم لمزيد من الارتفاع خاصةً أن السودان دولة مشوهة من ناحية الاستيراد حيث نعتمد اعتماد تام علي السلع الغذائية المستورة، وسيتسبب ذلك في تراجع الطلب على السلع المستوردة في السوق من ناحية أخرى سيؤدي إلى تراجع معدلات الإنتاج لدى المصنعين والمنتجين ما قد يؤدي إلى زيادة البطالة و زيادة اسعار السلع و أرتفاع التضخم الذي ظل منخفضاً الفترات السابقة نسبة لعدم تدخل معامل مؤثر كسعر صرف الدولار الجمركي)