تأخرت جلسة محاكمة نائب رئيس الجمهورية السابق عثمان محمد يوسف كبر أمس حتي الساعة 12:30 ظهرا بدلا من الساعة الحادية عشر الزمن المحدد لها بسبب زحمة الطرق وقفل الكباري الي جانب قلة مركبات إدارة السجون والمحاكم التي حملت أكثر من متهم مع كبر في حافلة واحدة تم توزيعهم علي قاعات محاكم مختلفة بولاية الخرطوم غاب عن الجلسة وكيل أول نيابة أسامة أبوالقيط وهو الذي ظل ممثلا للإتهام في كل مراحل القضية السابقة وبشخصيته الغامضة كان أشبه بشخصية الخائن في الافلام السينمائية الرجل آثر الإنسحاب ودفع بديلا عنه وكيل نيابة صغير سنا وتجربة من نيابة الفساد والأموال العامة برغم أنه لم يقل كلمة حتي نعرف عنه شيئا إلا أنه عرف بإسمه ومؤسسته وصمت فيما مثل هيئة الدفاع المحاميان القديران الدكتور حافظ احمد وأحمد محمد الحسن وللمرة الثانية أقول لقد أحسنت الهيئة القضائية وهي تعين مولانا ـ عمر أبوبكر محمود قاضي إستئناف محكمة الخرطوم الجزئية قاضيا محكما في محكمة نائب الرئيس السابق عثمان محمد يوسف كبر بمعيار الخبرة و الكفاءة المهنية و الأخلاقية والسلوكية فقد شرفها ورسخ للقضاء هيبته ومثل قدوة حسنة لهذه المؤسسة العريقة وشخصيا من أول يوم حضرت فيه جلسات المحاكمة قد ركزت علي منهج هذا القاضي وطريقته في إدارة المحكمة وإسلوبه المرن في تحقيق العدل أدركت أنه قاضي لا يتهيب الرقيب الاعلامي وتبصصه وتوثيقاته .. وأحسست في هذا القاضي الثقة والشجاعة ومسؤولية القاضي الذي يمكن أن يخطئ خطأ المجتهد لكن لم يساورني أدني شك بأنه سوف يظلم أو يسوم ويساوم بسلعته .. بالأمس تمنيت لو تم توثيق الجلسة كاملة صورة وصوت أثناء تلاوة القاضي للوقائع الجوهرية للقضية وهو يناقش التهم متناولا بالتسلسل كل مراحل القضية وأقوال المتهمين وهيئة الدفاع وهيئة الإتهام والشهود ثم يناقش القاضي كل ذلك بنصوص القوانيين واللوائح والسوابق القضائية المحلية والعالمية بطريقة جديرة بأن تشاهد وتملك للرأي العام حتي يري الناس القضاء علي حقيقته وكيف أن هذا القاضي قد إعتقل الجميع داخل القاعة الكبري بمحكمة جنايات الخرطوم شمال لمدة تجاوزت الساعة والنصف وهو يسرد حيثيات وقائع القضية التي تجاوزت العامين منذ بدايتها في 16/4/2019 وفتح البلاغ فيها بإصرار من المتهم ( كبر) بعد تلكؤ النيابة وقتها ظل كبر طيلة هذه المدة مسجونا صابرا لم يتملكه اليأس لأنه كما قال علي يقين بأن أخلاق القضاء السوداني ليس بضائع تباع وتشتري وأن نواميس الطبيعة لا يمكن تخطيها وأن إبتلاءات الله تعالي والزمان فيها خير للإنسان .. وشخصيا عندما كتبت سلسلة مقالاتي السابقة تحت هذا العنوان : ( الحقيقة في محكمة كبر.. السلطان لا يبحث عن خلاص) لم أراهن علي شخصية عثمان كبر كواحد من الزعماء الأقوياء والمشهود لهم بالحكمة والصلابة وإبانة الحجة والمنطق لكنني كنت مطمئنا علي عدالة القضاء السوداني ومسؤولية القاضي ونزاهته وبالأمس لم يخيب مولانا عمر أبوبكر ظني فقد أصدر حكمه النهائي ببراءة كبر من كل التهم الموجهة إليه بعد أن رجح شهادات الشهود وأقوال المتهمين ورأي الخبير المتخصص في المراجعة ثم ركز القاضي علي المادة (29) من قانون الإجراءات المالية و المحاسبية حيث تأكدت المحكمة من سلامة المتهم من المخالفة الادارية والتصرف في المال العام وتبديده بل أن التصرف كانوفق القانون وبنود الصرف وأن الإتهامات لم يقدم بينات وأدلة تثبت الإتهامات لإدانة المتهمين وأن كثير من التهم مثل خيانة الأمانة غير واردة في مبلغ مخصص للصرف وفق بنود معلومة كما أن هناك اكثر من (7) مواد شطبت في المرحلة الاولي للقضية وفق المعايير القضائية التي توفرت أمام القاضي من وقائع جلسات المحاكمة التي كان الإعلام رقيبا دقيقا لأداء القاضي الذي منذ الوهلة الأولي أدركت بأن مثله لا يبيع ضميره ولا يظلم أصحاب الحقوق وأثبت بحق أنه لا سلطة عليه فهو يمثل الحق ويحمي العدالة وينصف الطرف المظلوم ويعلم جيدا حقيقة إذا فسد القضاء فسد كل شئ في الحياة وبحكمه الذي صدر وفق الحيثيات التي تلاها بكل شفافية ومصداقية في خطبة إصدار الحكم أكد مولانا ـ أبوبكر لكل من يتابع أو حضر الجلسة أن القضاء سلطة مستقلة أو هكذا ينبقي أن يكون علي الرغم من ما رافق التغيير الذي شهدته بلادنا من تشوهات وتدخلات علي القضاء في ظل الظروف الإستثنائية التي مرت بها البلاد ونتيجة سعي البعض من السياسيين في حكومة قحت المبادة الذين كانوا يراهنون علي قضية عثمان كبر وإجتهدوا إعلاميا لجعله إيقونة الفساد الإنقاذي المزعوم ومحاكمته أمام الرأي العام بيد أنهم فشلوا في ذلك ولم يثبتوا عيبا علي جلباب الرجل ناصع البياض بمنطوق القضاء .. حقا جلسة النطق بالحكم في قضية كبر أمس تستحق أن توثق للأجيال وتدرس في الجامعات لعموم الفائدة وكفاءة القضاء .. وأنا أتابع حديث القاضي الذي سحر الجميع بقدراته العالية وجمعه لوثائق ومراجع قضائية للإستلال بها وأراغب دهشة الحضور قلت في نفسي ممثل النيابة العامة في القضية الذي تغيب أمس معاه حق حين كان متوازنا وكل تدخلاته كانت محسوبة بدقة واضح أنه خبرة طويلة وإجتهد بقدر المستطاع حتي لا يقع في المحظور وقد أفلح كثيرا وربما كان يلاحظ سحبا آلية تتحرك نحو الأفق وأن البعض من السياسيين يسحبون الآخرين ليجرمونهم حتي يرتفعون من تحتهم .. ولأن الذين كانوا يقفون خلف تحريك القضية ويأمرون الناس بوقار مصطنع عن الحرية والسلام والعدالة قد تحسسوا خيبة الأمل وإستشعروا الهزيمة المرة وهذا ظهر في جلسة النطق الأولي وقتها القحاتة كانوا حاكمين بالحديد والنار فقد عمدوا حينها علي تغييب المتهم عثمان كبر عن جلسة النطق بالحكم بحجة إجراءات الكورونا الإحترازية رغم أنهم كانوا يحضرونه كل الجلسات لكنهم واضح كانوا وقتها يخفون وجعا نفسيا خبيثا خوفا من خروج الرجل بطلا وقد تسبب هذا الغدر المستمر في توسيع حالة التباعد بينهم والمجتمع حتي أسقطهم من المشهد وهي أقدار الله نافذة حتي لا يرون زعامة كبر الذي أرادوا قتله زورا وظلما لكن الله نصره وكيف أنه ثار بالحق نهار أمس وهو يسجد شكرا لله في مشهد أبكي الحضور جميعا ويقيني هذا المشهد إذا رأوه القحاتة سوف يجلب علي هؤلاء المغفلين خسائر نفسية أكثر من تلك التي يعيشونها حاليا .. كبر خرج حرا بأمر القضاء النزيه وهو يدرك مدي وعورة وخطورة هذا الطريق أثناء وهو يعمل في الخدمة العامة واليوم قد إكتفي بكسب الجزاء الإجتماعي وهو يري الناس حافين به مقدرين له وهو يشعر بشئ كبير من الإمتنان لله أولا ثم القضاء ثانيا والغبطة لهذا الشعب النبيل .. من يحدث القحاتة ويعلمهم أن الزعامة ظاهرة إجتماعية تنبعث من المجتمع وتنمو به ولن تجد زعيما يظهر في مجتمع لا يقدره فـ ـ كبر يقدر مجتمعه ويؤمن بقضاء ربه وبداخله نزعة التقدير لكل ما أصابه وإنسان بهذه الدرجة من القناعة لا يظلم .. حقا مولانا عمر أبوبكر أثبت أنه بذرة من بذور القضاء الوطني النزيه وهو لا يزال يروي ويرعي قاعات المحاكم بعطف كي تنمو سمعة شجرة القضاء السوداني الباسقة ليستظل بها الناس أجمعين والمظاليم كافة ..
نواصل إنشاء الله ..
السابق بوست