بينوكيو (Pinocchio)‏ السوداني_في العلاقة بين الميديا الإلكترونية والصحافة الورقية والتأثير على العقل الجمعي والرأي العام.

0

بقلم عميد معاش _ ابراهيم مادبو

• يبذل الناس حول العالم قصارى جهدهم لتقديم أفضل نسخة لأنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى ولو لم تكن تلك النسخة حقيقية تماماً ولكنهم يقدمون المفيد، بينما نحن في السودان تحولنا إلى نسخ باهتة من شخصية بينوكيو (Pinocchio)، أشهر كاذب عرفته البشريّة والذي بات أيقونةً للكذب.
• أصبح من السهل أن يكتشف المتابع للأحداث أن جزء كبير من مشكلة السودان والأزمة التي تضرب أركان البلاد لا تتعلق بالسياسة والإقتصاد أو بالخبز والوقود، وإنما هي أزمة أخلاقية سلوكية سببها الطلس بتاع الإنترنت، فمعظم ما يدور بالميديا الإلكترونية السودانية داخل مواقع التواصل الإجتماعي هو مجرد ونسات ومناكفات وتحليلات تستند إلى معلومات مفبركة ومغلوطة، وبالتالي كثير من الأمور غير صحيحة وتخدم أغراض وأجندة لأشخاص أو جهات داخلية وخارجية تؤثر علي تماسك وإستقرار السودان وتورده موارد الهلاك إذا لم ينتبه العقلاء.
• لقد تحولت مواقع التواصل الإجتماعي بالفيس بوك والواتساب والمواعين الأخرى إلى منصات لنشر الشائعات والاخبار الزائفة المفبركة، والبعض أصبح يجيد التظاهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإبراز أهميته في العمل الثوري معتقداً أن الثورة ستؤججها الشائعات والفبركات، وفي سبيل تحقيق ثوريته المزعومة يمتطي حصان الأكاذيب “ويرخي” اللجام ليركض في مضمار الشائعات حتى يحظى بالكثير من الاهتمام والمتابعة لدى مدمني التنظير والتحليل الفطير، وهواة النسخ واللصق والشير، وقد شكلت هذه الظاهرة تحدياً كبيرا أصبح يطفو على السطح بشكل بارز أثناء كل حدث داخل الخرطوم أو في الولايات، وتطور الأمر ليصبح عالمياً، وصار بمقدور البعض فبركة جلسات الأمم المتحدة، وإنتحال صفة المتحدثة بإسم السفارة الأمريكية رغم عدم وجود هذا المنصب بالسفارة، وجنح اخرون إلى اختلاق مقالات وتصريحات ينسبونها إلى أسماء المشهورين من الساسة والكُتَّاب والمسؤولين السودانيين، وتخصص البعض في تلفيق التغريدات ولم يسلم من ذلك كاميرون هدسون (Cameron Hudson) أو أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، والإتحاد الأوروبي وحتى دول الترويكا، هذا غير الشائعات المصنوعة بسذاجة والتي انتشرت خلال الأيام الماضية لإستهداف الجيش والقوات النظامية الأخرى، وغرس الفتنة بين أجهزة ووحدات المنظومة الأمنية والعسكرية، لتحقيق أجندة مجموعات حزبية صغيرة تلهث خلف السلطة وتريد التأثير على المواطنين وتوجيه الرأي العام الجمعي، ليسهل لها إختطاف الثورة من أيدي الشباب كما فعلت قبل 25 أكتوبر، ولقد هربت المصداقية والشفافية من السودان في ظل تحول الشائعات والأخبار المفبركة الى آفة تهد الجميع وتقوض إستقرار الوطن.
• وثالثة الأثافي هو فقدان المكتسبات والدور البارز الذي كانت تلعبه الصحافة والأعلام في توجيه الرأي العام عبر المصداقية ونقل الأخبار من مصادرها، فقد تهافت الصحفيون إلى ركوب أمواج مواقع التواصل الإجتماعي والغوص في بحورها والنقل منها لتحقيق السبق الصحفي بدون التثبت والتقصي، غير أن معول الكذب لعب دوراً هاماً في القضاء على تلك المكتسبات التي حازت عليها الصحافة الورقية، فنقل الخبر المفبرك والمكذوب من خلال التناسل السريع لمواقع التواصل تحول ليصبح مانشيت رئيس في الصحافة الورقية ودون قيود تذكر، ولم يعد التنافس على الكيف ولا على صحة الخبر وجودة المنتوج الإعلامي، بقدر ما أصبح تنافساً على عدد القراء وعائد المبيعات، فكثيراً ما نصادف ونصطدم بمقالات واخبار لا تمت إلى الحقيقة وأخبار لا مهنية هدفها فقط هو جذب القراء الباحثين عن الإثارة وهو ما تضررت منه المؤسسات الصحفية وباتت تعاني الركود والإفلاس وتراجع المبيعات وبوار الصحف، ففي زمن المسخ هذا، إبتعد معظم الصحفيين عن مسار الصحافة الصحيح ودورها السامي والهام في المجتمع. فلقبا “السلطة الرابعة” أو “مهنة المتاعب” لم يأتيا من فراغ، الأول لدورها الفعال في توجيه وتنوير الرأي العام، والثاني لما يتكبده الاعلامي محرراً كان أو مصوراً من مشقة قبل كتابة ونشر مقال أو خبر صحفي مبني على أسس مهنية متينة، غير أنه وفي زمن التواصل الاجتماعي الكذوب أصبح الصحفي وسيطاً ناقلاً يغرف بالنسخ واللصق من التغريدات في تويتر، وبوستات الجدار الأزرق في الفيس، ومنشورات الواتساب الأخضر، وأختلط حابل الصدق بنابل الكذب، والإفك بالحقيقة، كما إختلط ما هو مهني بما هو تجاري وإنتهازي، وإمتزج الخبر والإشاعة فتاهت الحقيقة.
• أيها السادة الصحفيون والمدونون ورواد الإنترنت متى تسعون إلى البحث عن الحقيقة وإظهارها ودحض الأكاذيب والشائعات المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت، وأين الحكمة السودانية والصدق والعقلانية والتجرد؟، لماذا لا نبتعد عن تجيير المواقف والنظر إلى السياسة بعيداً عن الهوى والميل التفكير الرغائبي؟!.
• كثيراً ما يشير الخبراء إلى أن المتلقي يكون أكثر تأثرا وتعاطفاً مع هذا النوع من الأخبار الزائفة، والمواقف المفاجئة والصادمة المشحونة بنوع من الكراهية للآخر نتيجة لموقف شخصي تجاه قضية ما حيث يميل الأشخاص الى قراءة وتصديق أخبار تدعم مواقفهم وأرائهم عبر تبنيها ومشاركتها، بيد ان الأخبار المفبركة تعدّ أكثر خطورة، من منظور نظري للمعلومات “كونها توفر المساعدة الكبرى في عملية صنع القرار الخاطئ”، ومن ومنظور اجتماعي “كونها تنقل الوضع الاجتماعي إلى مسار مجهول على يد شخص غير مطلع ولديه مصادر كاذبة عبارة عن تخيلات وأماني يريد تحقيقها عبر بث الشائعات” وبالتالي فإن مساهمة السلوك البشري المولع بالفبركات بشكل كبير في انتشار هذا النوع من الأخبار، يجعل الأكاذيب تتفوعلى الحقائق وتتوغل أكثر وأسرع وأعمق في شبكات التواصل الإجتماعي.
• *إن أخلاقيات المهنة والفرد والتي تعبر عن السلوك الواجب الالتزام به من طرف القائمين بوسائل الاتصال تبقى عديمة الفائدة ما لم تترجم الى واقع عملي ملموس خلال الممارسة المهنية أو أثناء استخدام النت في التواصل.*
• أقترح وفي إطار سياسة الحملات المغرضة ضد الحكومة في الإعلام الإلكتروني والورقي هو التفاكر حول كيفية إدارة حملات إعلامية مضادة عبر الميديا الإلكترونية وتحديدا مواقع التواصل الأجتماعي ليست بطريقة “كتائب الجهاد الإلكترونية” كما كان يحدث في العهد السابق، وإنما بتخطيط مرحلي تكتيكي وإستراتيجي يرفع الوعي ويحقق مكاسب وطنية تحفظ إستقرار البلد وتقلل من الحملات المغرضة ضد الحكومة والجيش وتمهد لبلوغ مرحلة الوفاق الوطني وتلاحم الجبهة الداخلية ورتق النسيج الإجتماعي، ويبقى السؤال قائماً: ماهي مطلوبات الإعلام الذي نحتاجه ونوع المنصة في إدارة المعركة والهجوم المضاد المحلي والخارجي؟

اترك رد